للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْكَلَامِ، وَلَا يَبْعُدُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ بَقِيَّةِ كَلَامِ إِبْلِيسَ قَطْعًا لِأَطْمَاعِ أُولَئِكَ الكفار عن الإعانة والإغاثة، والله أعلم.

[[سورة إبراهيم (١٤) : آية ٢٣]]

وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ (٢٣)

وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَالَغَ فِي شَرْحِ أَحْوَالِ الْأَشْقِيَاءِ مِنَ الْوُجُوهِ الْكَثِيرَةِ، شَرَحَ أَحْوَالَ السُّعَدَاءِ، وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ الثَّوَابَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَنْفَعَةً خَالِصَةً دَائِمَةً مَقْرُونَةً بِالتَّعْظِيمِ، فَالْمَنْفَعَةُ الْخَالِصَةُ إِلَيْهَا الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَكَوْنُهَا دَائِمَةً أُشِيرَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: خالِدِينَ فِيها وَالتَّعْظِيمُ حَصَلَ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ تِلْكَ الْمَنَافِعَ إِنَّمَا حَصَلَتْ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمْرِهِ. وَالثَّانِي: قَوْلُهُ: تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ يُحَيِّي بَعْضًا بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ، وَالْمَلَائِكَةُ يُحَيُّونَهُمْ بِهَا كَمَا قَالَ: وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ/ عَلَيْكُمْ [الرَّعْدِ: ٢٣، ٢٤] وَالرَّبُّ الرَّحِيمُ يُحَيِّيهِمْ أَيْضًا بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ كَمَا قَالَ: سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس: ٥٨] .

وَاعْلَمْ أَنَّ السَّلَامَ مُشْتَقٌّ مِنَ السَّلَامَةِ وَإِلَّا ظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمْ سَلِمُوا مِنْ آفَاتِ الدُّنْيَا وَحَسَرَاتِهَا أَوْ فُنُونِ آلَامِهَا وَأَسْقَامِهَا، وَأَنْوَاعِ غُمُومِهَا وَهُمُومِهَا، وَمَا أَصْدَقَ مَا قَالُوا، فَإِنَّ السَّلَامَةَ مِنْ مِحَنِ عَالَمِ الْأَجْسَامِ الْكَائِنَةِ الْفَاسِدَةِ مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ، لَا سِيَّمَا إِذَا حَصَلَ بَعْدَ الْخَلَاصِ مِنْهَا الْفَوْزُ بِالْبَهْجَةِ الرُّوحَانِيَّةِ وَالسَّعَادَةِ الْمَلَكِيَّةِ.

المسألة الثَّانِيَةُ: قَرَأَ الْحَسَنُ: وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى مَعْنَى وَأُدْخِلُهُمْ أَنَا، وَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ فَقَوْلُهُ:

بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مُتَعَلِّقٌ بِمَا بَعْدَهُ، أَيْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ. يَعْنِي: أَنَّ الْمَلَائِكَةَ يحيونهم بإذن ربهم.

[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٢٤ الى ٢٦]

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ (٢٤) تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٥) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ (٢٦)

[في قَوْلُهُ تَعَالَى أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا إلى قوله وَفَرْعُها فِي السَّماءِ] اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا شَرَحَ أَحْوَالَ الْأَشْقِيَاءِ وَأَحْوَالَ السُّعَدَاءِ، ذَكَرَ مِثَالًا يُبَيِّنُ الْحَالَ فِي حُكْمِ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ، وَهُوَ هَذَا الْمَثَلُ. وَفِيهِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ شَجَرَةً مَوْصُوفَةً بِصِفَاتٍ أَرْبَعَةٍ ثُمَّ شَبَّهَ الْكَلِمَةَ الطَّيِّبَةَ بِهَا.

فَالصِّفَةُ الْأُولَى: لِتِلْكَ الشَّجَرَةِ كَوْنُهَا طَيِّبَةً، وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ أُمُورًا. أَحَدُهَا: كَوْنُهَا طَيِّبَةَ الْمَنْظَرِ وَالصُّورَةِ وَالشَّكْلِ. وَثَانِيهَا: كَوْنُهَا طَيِّبَةَ الرَّائِحَةِ. وَثَالِثُهَا: كَوْنُهَا طَيِّبَةَ الثَّمَرَةِ يَعْنِي أَنَّ الْفَوَاكِهَ الْمُتَوَلِّدَةَ مِنْهَا تَكُونُ لَذِيذَةً مُسْتَطَابَةً. وَرَابِعُهَا: كَوْنُهَا طَيِّبَةً بِحَسَبِ الْمَنْفَعَةِ يَعْنِي أَنَّهَا كَمَا يُسْتَلَذُّ بِأَكْلِهَا فَكَذَلِكَ يَعْظُمُ الِانْتِفَاعُ بِهَا، وَيَجِبُ حَمْلُ قَوْلِهِ: شَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ، عَلَى مَجْمُوعِ هَذِهِ الْوُجُوهِ لِأَنَّ اجْتِمَاعَهَا يُحَصِّلُ كَمَالَ الطِّيبِ.

وَالصِّفَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: أَصْلُها ثابِتٌ أَيْ رَاسِخٌ بَاقٍ آمِنُ الِانْقِلَاعِ وَالِانْقِطَاعِ وَالزَّوَالِ وَالْفَنَاءِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّيْءَ الطَّيِّبَ إِذَا كَانَ فِي مَعْرِضِ الِانْقِرَاضِ وَالِانْقِضَاءِ، فَهُوَ وَإِنْ كَانَ يَحْصُلُ الْفَرَحُ بِسَبَبِ وِجْدَانِهِ إِلَّا أَنَّهُ يَعْظُمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>