للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[سورة البقرة (٢) : آية ١٨٧]]

أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (١٨٧)

فِيهِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: أَنَّهُ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى أَنَّ فِي أَوَّلِ شَرِيعَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ الصَّائِمُ إِذَا أَفْطَرَ حَلَّ لَهُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالْوِقَاعُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَنَامَ وَأَنْ لَا يُصَلِّيَ الْعِشَاءَ الْأَخِيرَةَ فَإِذَا فَعَلَ أَحَدَهُمَا حَرُمَ عَلَيْهِ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَسَخَ ذَلِكَ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَقَالَ أَبُو مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِيُّ هَذِهِ الْحُرْمَةُ مَا كَانَتْ ثَابِتَةً فِي شَرْعِنَا الْبَتَّةَ، بَلْ كَانَتْ ثَابِتَةً فِي شَرْعِ النَّصَارَى، وَاللَّهُ تَعَالَى نَسَخَ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَا كَانَ ثَابِتًا فِي شَرْعِهِمْ، وَجَرَى فِيهِ عَلَى مَذْهَبِهِ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي شَرْعِنَا نَسْخٌ الْبَتَّةَ، وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ عَلَى قَوْلِهِمْ بِوُجُوهٍ.

الْحُجَّةُ الْأُولَى: أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [الْبَقَرَةِ: ١٨٣] يَقْتَضِي تَشْبِيهَ صَوْمِنَا بِصَوْمِهِمْ، وَقَدْ كَانَتْ هَذِهِ الْحُرْمَةُ ثَابِتَةً فِي صَوْمِهِمْ، فَوَجَبَ بِحُكْمِ هَذَا التَّشْبِيهِ أَنْ تَكُونَ ثَابِتَةً أَيْضًا فِي صَوْمِنَا، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْحُرْمَةَ كَانَتْ ثَابِتَةً فِي شَرْعِنَا، وَهَذِهِ الْآيَةُ نَاسِخَةٌ لِهَذِهِ الْحُرْمَةِ لَزِمَ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْآيَةُ نَاسِخَةً لِحُكْمٍ كَانَ ثَابِتًا فِي شَرْعِنَا.

الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: التَّمَسُّكُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ وَلَوْ كَانَ هَذَا الْحِلُّ ثَابِتًا لِهَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ أُحِلَّ لَكُمْ فَائِدَةٌ.

الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ: التَّمَسُّكُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ حَلَالًا لَهُمْ لَمَا كَانَ بِهِمْ حَاجَةٌ إِلَى أَنْ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ.

الْحُجَّةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ وَلَوْلَا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِمْ وَأَنَّهُمْ أَقْدَمُوا عَلَى الْمَعْصِيَةِ بِسَبَبِ الْإِقْدَامِ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ، لَمَا صَحَّ قَوْلُهُ: فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ.

الْحُجَّةُ الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَلَوْ كَانَ الْحِلُّ ثَابِتًا قَبْلَ ذَلِكَ كَمَا هُوَ الْآنَ لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ: فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ فَائِدَةً.

الْحُجَّةُ السَّادِسَةُ: هِيَ أَنَّ الرِّوَايَاتِ الْمَنْقُولَةَ فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْحُرْمَةَ كَانَتْ ثَابِتَةً فِي شَرْعِنَا، هَذَا مَجْمُوعُ دَلَائِلِ الْقَائِلِينَ بِالنَّسْخِ، أَجَابَ أَبُو مُسْلِمٍ عَنْ هَذِهِ الدَّلَائِلِ فَقَالَ:

أَمَّا الْحُجَّةُ الْأُولَى: فَضَعِيفَةٌ لِأَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ تَشْبِيهَ الصَّوْمِ بِالصَّوْمِ يَكْفِي فِي صِدْقِهِ مُشَابَهَتُهُمَا فِي أَصْلِ الْوُجُوبِ.

وَأَمَّا الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: فَضَعِيفَةٌ أَيْضًا لِأَنَّا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذِهِ الْحُرْمَةَ كَانَتْ ثَابِتَةً فِي شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا، فَقَوْلُهُ: أُحِلَّ