للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّهِ تَعَالَى وَالْإِخْلَاصُ فَكَأَنَّهُ تَأَوَّلَهُ عَلَى مَا يَزْكُو بِهِ الْفَاعِلُ عِنْدَ رَبِّهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إِذَا قُرِنَتِ الزَّكَاةُ إِلَى الصَّلَاةِ أَنْ يُرَادَ بِهَا الصَّدَقَاتُ الْوَاجِبَةُ وَكَانَ يَعْرِفُ مِنْ خَاصَّةِ أَهْلِهِ أَنْ يُلْزِمَهُمُ الزَّكَاةَ فَيَأْمُرَهُمْ بِذَلِكَ أَوْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَتَبَرَّعُوا بِالصَّدَقَاتِ عَلَى الْفُقَرَاءِ. وَرَابِعُهَا: قَوْلُهُ، وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا وَهُوَ فِي نِهَايَةِ الْمَدْحِ لِأَنَّ الْمَرْضِيَّ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ الفائز في كل طاعاته بأعلى الدرجات.

[سورة مريم (١٩) : الآيات ٥٦ الى ٥٧]

وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (٥٦) وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا (٥٧)

(الْقِصَّةُ السَّادِسَةُ قِصَّةُ إدريس عليه السلام) اعْلَمْ أَنَّ إِدْرِيسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ هُوَ جَدُّ أَبِي نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ نُوحُ بْنُ لَمَكَ بْنِ مُتْوَشْلِخَ بْنِ أَخْنُوخَ قِيلَ سُمِّيَ إِدْرِيسَ لِكَثْرَةِ دِرَاسَتِهِ وَاسْمُهُ أَخْنُوخُ وَوَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِأُمُورٍ. أَحَدُهَا: أَنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا. وَثَانِيهَا: أَنَّهُ كَانَ نَبِيًّا وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهِمَا. وَثَالِثُهَا: قَوْلُهُ: وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا وَفِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مِنْ رِفْعَةِ الْمَنْزِلَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ [الشَّرْحِ: ٤] فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَّفَهُ بِالنُّبُوَّةِ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ ثَلَاثِينَ صَحِيفَةً وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ خَطَّ بِالْقَلَمِ وَنَظَرَ فِي عِلْمِ النُّجُومِ وَالْحِسَابِ وَأَوَّلُ مَنْ خَاطَ الثِّيَابَ وَلَبِسَهَا وَكَانُوا يَلْبَسُونَ الْجُلُودَ.

الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الرِّفْعَةُ فِي الْمَكَانِ إِلَى مَوْضِعٍ عَالٍ وَهَذَا أَوْلَى، لِأَنَّ الرِّفْعَةَ الْمَقْرُونَةَ بِالْمَكَانِ تَكُونُ رِفْعَةً فِي الْمَكَانِ لَا فِي الدَّرَجَةِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ اللَّهَ رَفَعَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَإِلَى الْجَنَّةِ وَهُوَ حَيٌّ لَمْ يَمُتْ، وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ رُفِعَ إِلَى السَّمَاءِ وَقُبِضَ رُوحُهُ سَأَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَعْبًا عَنْ قَوْلِهِ: وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا قَالَ: جَاءَهُ خَلِيلٌ لَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَسَأَلَهُ حَتَّى يُكَلِّمَ مَلَكَ الْمَوْتِ حَتَّى يُؤَخِّرَ قَبْضَ رُوحِهِ فَحَمَلَهُ ذَلِكَ الْمَلَكَ بَيْنَ جَنَاحَيْهِ فَصَعِدَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ فَلَمَّا كَانَ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ فَإِذَا مَلَكُ الْمَوْتِ يَقُولُ بُعِثْتُ وَقِيلَ لِي اقْبِضْ رُوحَ إِدْرِيسَ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، وَأَنَا أَقُولُ كَيْفَ ذَلِكَ وَهُوَ فِي الْأَرْضِ فَالْتَفَتَ إِدْرِيسُ فَرَآهُ مَلَكُ الْمَوْتِ فَقَبَضَ رُوحَهُ هُنَاكَ. وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا مَدَحَهُ بِأَنْ رَفَعَهُ إِلَى السَّمَاءِ لِأَنَّهُ جَرَتِ الْعَادَةُ أَنْ لَا يُرْفَعَ إِلَيْهَا إِلَّا مَنْ كَانَ عَظِيمَ الْقَدْرِ وَالْمَنْزِلَةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ فِي حَقِّ الْمَلَائِكَةِ: وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ [الْأَنْبِيَاءِ: ١٩] وهاهنا آخر القصص.

[[سورة مريم (١٩) : آية ٥٨]]

أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا (٥٨)

اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى أَثْنَى عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِمَّنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ بِمَا يَخُصُّهُ مِنَ الثَّنَاءِ ثُمَّ جَمَعَهُمْ آخِرًا فَقَالَ:

أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَيْ بِالنُّبُوَّةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا تَقَدَّمَ « «وَصْفُهُ وَأُولَئِكَ إِشَارَةٌ إِلَى الْمَذْكُورِينَ/ فِي السُّورَةِ مِنْ لَدُنْ زَكَرِيَّا إِلَى إِدْرِيسَ، ثُمَّ جَمَعَهُمْ فِي كَوْنِهِمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ ثُمَّ خَصَّ بَعْضَهُمْ بِأَنَّهُ مِنْ ذُرِّيَّةِ مَنْ حُمِلَ مَعَ نُوحٍ، وَالَّذِي يَخْتَصُّ بِأَنَّهُ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ دُونَ مَنْ حُمِلَ مَعَ نُوحٍ هُوَ إِدْرِيسُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَدْ كَانَ سَابِقًا عَلَى نُوحٍ عَلَى مَا ثَبَتَ فِي الْأَخْبَارِ وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ مَنْ حُمِلَ مَعَ نُوحٍ هُوَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَنَّهُ مِنْ وَلَدِ سَامِ بْنِ نُوحٍ وَإِسْمَاعِيلُ وَإِسْحَاقُ وَيَعْقُوبُ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ ثُمَّ خَصَّ بَعْضَهُمْ بِأَنَّهُمْ مِنْ وَلَدِ إِسْرَائِيلَ أَيْ يَعْقُوبَ وَهُمْ مُوسَى وَهَارُونُ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ فَرَتَّبَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَحْوَالَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ الَّذِينَ ذَكَّرَهُمْ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ مُنَبِّهًا بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ كَمَا فُضِّلُوا بِأَعْمَالِهِمْ فَلَهُمْ مَزِيدٌ فِي الْفَضْلِ بِوِلَادَتِهِمْ مِنْ هَؤُلَاءِ الأنبياء،

<<  <  ج: ص:  >  >>