للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِهِ فَاسْتَقْبَلَتْهَا مَرْيَمُ وَقَدْ حَمَلَتْ بِعِيسَى فَقَالَتْ لَهَا أَمُّ يَحْيَى: يَا مَرْيَمُ أَحَامِلٌ أَنْتِ؟ فَقَالَتْ: لِمَاذَا تَقُولِينَ؟ فَقَالَتْ:

إِنِّي أَرَى مَا فِي بَطْنِي يَسْجُدُ لِمَا فِي بَطْنِكِ. وَسَابِعُهَا: أَنَّ الدِّينَ يَحْيَا بِهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا سَأَلَهُ زَكَرِيَّا لِأَجْلِ الدِّينِ، وَاعْلَمْ.

أَنَّ هَذِهِ الْوُجُوهَ ضَعِيفَةٌ لِأَنَّ أَسْمَاءَ الْأَلْقَابِ لَا يُطْلَبُ فِيهَا وَجْهُ الِاشْتِقَاقِ، وَلِهَذَا قَالَ أَهْلُ التَّحْقِيقِ أَسْمَاءُ الْأَلْقَابِ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْإِشَارَاتِ وَهِيَ لَا تُفِيدُ في المسمى صفة ألبتة.

[[سورة مريم (١٩) : آية ٨]]

قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (٨)

وَفِيهِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ عِتِيًّا وَصِلِيَّا وَجِثِيًّا وَبِكِيًّا بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَالصَّادِ والجيم والباء، وقرأ حفص عن عاصم بكيا بِالضَّمِّ وَالْبَاقِي بِالْكَسْرِ وَالْبَاقُونَ جَمِيعًا بِالضَّمِّ، وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالصَّادِ مَنْ عَتِيًّا وَصَلِيًّا. وَقَرَأَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ عِسِيًّا بِالسِّينِ غَيْرِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي الْأَلْفَاظِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ: الْغُلَامُ الْإِنْسَانُ الذَّكَرُ فِي ابْتِدَاءِ شَهْوَتِهِ لِلْجِمَاعِ وَمِنْهُ اغْتَلَمَ إِذَا اشْتَدَّتْ شَهْوَتُهُ لِلْجِمَاعِ ثُمَّ يُسْتَعْمَلُ فِي التِّلْمِيذِ يُقَالُ: غُلَامٌ ثَعْلَبٌ. الثَّانِي: الْعِتِيُّ والعبسي وَاحِدٌ تَقُولُ عَتَا يَعْتُو عُتُوًّا وَعِتِيًّا فَهُوَ عات وعسا يعسو عسوا وعسيا فهو عاص وَالْعَاسِي هُوَ الَّذِي غَيَّرَهُ طُولُ الزَّمَانِ إِلَى حَالِ الْبُؤْسِ وَلَيْلٌ عَاتٍ طَوِيلٌ وَقِيلَ شَدِيدُ الظُّلْمَةِ. الثَّالِثُ: لَمْ يُقِلْ عَاقِرَةً لِأَنَّ مَا كَانَ عَلَى فَاعِلٍ مِنْ صِفَةِ الْمُؤَنَّثِ مِمَّا لَمْ يَكُنْ لِلْمُذَكَّرِ فَإِنَّهُ لَا تَدْخُلُ فِيهِ الْهَاءُ نَحْوَ امْرَأَةٌ عَاقِرٌ وَحَائِضٌ قَالَ الْخَلِيلُ: هذه الصفات مُذَكَّرَةٌ وُصِفَ بِهَا الْمُؤَنَّثُ كَمَا وَصَفُوا الْمُذَكَّرَ بِالْمُؤَنَّثِ حِينَ قَالُوا: رَجُلٌ مَلْحَةٌ وَرَبْعَةٌ وَغُلَامٌ نَفْعَةٌ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ سُؤَالَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ لِمَ تَعَجَّبَ بِقَوْلِهِ: أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ مَعَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي طَلَبَ الْغُلَامَ؟ السُّؤَالُ الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ لَمْ يَكُنْ هَذَا مَذْكُورًا بَيْنَ أُمَّتِهِ لِأَنَّهُ كَانَ يُخْفِي هَذِهِ الْأُمُورَ عَنْ أُمَّتِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي نَفْسِهِ، وَهَذَا التَّعَجُّبُ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ شَاكًّا فِي قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ وَذَلِكَ كُفْرٌ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ/ السَّلَامُ. وَالْجَوَابُ عَنِ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ: أَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّهُ لَمْ يَطْلُبْ خُصُوصَ الْوَلَدِ فَالسُّؤَالُ زَائِلٌ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّهُ طَلَبَ الْوَلَدَ فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ قَوْلِهِ: أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ هُوَ التَّعَجُّبُ مِنْ أَنَّهُ تَعَالَى يَجْعَلُهُمَا شَابَّيْنِ ثُمَّ يَرْزُقُهُمَا الْوَلَدَ أَوْ يَتْرُكُهُمَا شَيْخَيْنِ وَيَرْزُقُهُمَا الْوَلَدَ مَعَ الشَّيْخُوخَةِ بِطَرِيقِ الِاسْتِعْلَامِ لا بطريق التعجب، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى:

وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ [الْأَنْبِيَاءِ: ٨٩، ٩٠] وَمَا هَذَا الْإِصْلَاحُ إِلَّا أَنَّهُ أَعَادَ قُوَّةَ الْوِلَادَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْرِيرُ هَذَا الْكَلَامِ، وَذَكَرَ السُّدِّيُّ فِي الْجَوَابِ وَجْهًا آخَرَ فَقَالَ: إِنَّهُ لَمَّا سَمِعَ النِّدَاءَ بِالْبِشَارَةِ جَاءَهُ الشَّيْطَانُ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا الصَّوْتَ لَيْسَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ يَسْخَرُ مِنْكَ، فَلَمَّا شَكَّ زَكَرِيَّا قَالَ: أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَاعْلَمْ أَنَّ غَرَضَ السُّدِّيِّ مِنْ هَذَا أَنَّ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ لَوْ عَلِمَ أَنَّ الْمُبَشِّرَ بِذَلِكَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى لما جاز له أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ فَارْتَكَبَ هَذَا، وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ هَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا إِذْ لَوْ جَوَّزَ الْأَنْبِيَاءُ فِي بَعْضِ مَا يَرِدُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ لَجَوَّزُوا فِي سَائِرِهِ وَلَزَالَتِ الثِّقَةُ عَنْهُمْ فِي الْوَحْيِ وَعَنَّا فِيمَا يُورِدُونَهُ إِلَيْنَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ قَائِمٌ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ وَإِنَّمَا يَزُولُ بِالْمُعْجِزَةِ فَلَعَلَّ الْمُعْجِزَةَ لَمْ تَكُنْ حَاصِلَةً فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَحَصَلَ الشَّكُّ فِيهَا دُونَ مَا عَدَاهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَالْجَوَابُ عَنِ السُّؤَالِ الثَّانِي مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ قَوْلَهُ: إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى [مريم: ٧]

<<  <  ج: ص:  >  >>