الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْقِسْمَيْنِ هُوَ الْحَدُّ الْفَاصِلُ بَيْنَ قَوْلِهِ: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَتَقْرِيرُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ حَاجَةَ الْعَبْدِ إِمَّا فِي طَلَبِ الدُّنْيَا وَهُوَ قِسْمَانِ: إِمَّا دَفْعُ الضَّرَرِ، أَوْ جَلْبُ النَّفْعِ، وَإِمَّا فِي طَلَبِ الْآخِرَةِ، وَهُو أَيْضًا قِسْمَانِ: دَفْعُ الضَّرَرِ وَهُوَ الْهَرَبُ مِنَ النَّارِ، وَطَلَبُ الْخَيْرِ وَهُوَ طَلَبُ الْجَنَّةِ، فَالْمَجْمُوعُ أَرْبَعَةٌ، وَالْقِسْمُ الْخَامِسُ- وَهُوَ الْأَشْرَفُ- طَلَبُ خِدْمَةِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ وَعُبُودِيَّتِهِ لِمَا هُوَ هُوَ لَا لِأَجْلِ رَغْبَةٍ وَلَا لِأَجْلِ رَهْبَةٍ، فَإِنْ شَاهَدْتَ نُورَ اسْمِ اللَّهِ لَمْ تَطْلُبْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا سِوَى اللَّهِ، وَإِنْ طَالَعْتَ نُورَ الرَّبِّ طَلَبْتَ مِنْهُ خَيْرَاتِ الْجَنَّةِ، وَإِنْ طَالَعْتَ مِنْهُ نُورَ الرَّحْمَنِ طَلَبْتَ مِنْهُ خَيْرَاتِ هَذِهِ الدُّنْيَا، وَإِنْ طَالَعْتَ نُورَ الرَّحِيمِ طَلَبْتَ مِنْهُ أَنْ يَعْصِمَكَ عَنْ مَضَارِّ الْآخِرَةِ، وَإِنْ طَالَعْتَ نُورَ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ طَلَبْتَ مِنْهُ أَنْ يَصُونَكَ عَنْ آفَاتِ هَذِهِ الدُّنْيَا وَقَبَائِحِ الْأَعْمَالِ فِيهَا لِئَلَّا تَقَعَ فِي عَذَابِ الْآخِرَةِ. النُّكْتَةُ السَّابِعَةُ: يُمْكِنُ أَيْضًا تَنْزِيلُ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ عَلَى الْمَرَاتِبِ الْخَمْسِ الْمَذْكُورَةِ فِي الذِّكْرِ الْمَشْهُورِ وَهُوَ قَوْلُهُ سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ- أَمَّا قَوْلُنَا سُبْحَانَ اللَّهِ فَهُوَ فَاتِحَةُ سُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا [الْإِسْرَاءِ: ١] وَأَمَّا قَوْلُنَا الْحَمْدُ لِلَّهِ فَهُوَ فَاتِحَةُ خَمْسِ سُوَرٍ، وَأَمَّا قَوْلُنَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَهُوَ فَاتِحَةُ سُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ قَوْلُهُ: الم، اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ [آلِ عِمْرَانَ: ١، ٢] وَأَمَّا قَوْلُنَا اللَّهُ أَكْبَرُ فَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْقُرْآنِ لَا بِالتَّصْرِيحِ فِي مَوْضِعَيْنِ مُضَافًا إِلَى الذِّكْرِ تَارَةً وَإِلَى الرِّضْوَانِ/ أُخْرَى فقال: وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [التوبة: ٧٢] وقال: وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ [العنكبوت: ٤٥] وَأَمَّا قَوْلُنَا: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ فَهُوَ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي الْقُرْآنِ صَرِيحًا، لِأَنَّهُ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ، وَالْكَنْزُ يَكُونُ مَخْفِيًّا وَلَا يَكُونُ ظَاهِرًا، فَالْأَسْمَاءُ الْخَمْسَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي سُورَةِ الْفَاتِحَةِ مَبَادٍ لِهَذِهِ الْأَذْكَارِ الْخَمْسَةِ، فَقَوْلُنَا: اللَّهِ مَبْدَأٌ لِقَوْلِنَا سُبْحَانَ اللَّهِ، وَقَوْلُنَا: رَبِّ مَبْدَأٌ لِقَوْلِنَا الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَقَوْلُنَا الرَّحْمَنِ مَبْدَأٌ لِقَوْلِنَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَإِنَّ قَوْلَنَا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِنَّمَا يَلِيقُ بِمَنْ يَحْصُلُ لَهُ كَمَالُ الْقُدْرَةِ وَكَمَالُ الرحمة، وذلك هو الرحمن، وقولنا: الرحمن مَبْدَأٌ لِقَوْلِنَا اللَّهُ أَكْبَرُ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ أَكْبَرُ مِنْ أَنْ لَا يَرْحَمَ عِبَادَهُ الضُّعَفَاءَ، وَقَوْلُنَا: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ مَبْدَأٌ لِقَوْلِنَا لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، لِأَنَّ الْمَلِكَ وَالْمَالِكَ هُوَ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَبِيدُهُ عَلَى أَنْ يَعْمَلُوا شَيْئًا عَلَى خِلَافِ إِرَادَتِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْفَصْلُ الثَّامِنُ فِي السَّبَبِ الْمُقْتَضِي لِاشْتِمَالِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ عَلَى الْأَسْمَاءِ الثلاثة
السبب في اشتمال البسملة عَلَى الْأَسْمَاءِ الثَّلَاثَةِ:
وَفِيهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: لَا شَكَّ أَنَّهُ تَعَالَى يَتَجَلَّى لِعُقُولِ الْخَلْقِ، إِلَّا أَنَّ لِذَلِكَ التَّجَلِّي ثَلَاثَ مَرَاتِبَ: فَإِنَّهُ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ يَتَجَلَّى بِأَفْعَالِهِ وَآيَاتِهِ، وَفِي وَسَطِ الْأَمْرِ يَتَجَلَّى بِصِفَاتِهِ، وَفِي آخِرِ الْأَمْرِ يَتَجَلَّى بِذَاتِهِ، قِيلَ إِنَّهُ تَعَالَى يَتَجَلَّى لِعَامَّةِ عِبَادِهِ بأفعاله وآياته، قال: وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ [الشُّورَى: ٣٢] وَقَالَ: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ [آلِ عِمْرَانَ: ١٩٠] ثُمَّ يَتَجَلَّى لِأَوْلِيَائِهِ بِصِفَاتِهِ، قَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute