اعْتِرَافٌ بِكَوْنِهِ فَاعِلًا مُسْتَقِلًّا بِالْفِعْلِ، وَالْمَبَاحِثُ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ أَعُوذُ بِاللَّهِ عَائِدَةٌ بِتَمَامِهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.
وَهَاهُنَا آخِرُ كَلَامِ مُؤْمِنِ آلِ فرعون والله الهادي.
[سورة غافر (٤٠) : الآيات ٤٥ الى ٥٠]
فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ مَا مَكَرُوا وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ (٤٥) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ (٤٦) وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ (٤٧) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ (٤٨) وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ (٤٩)
قالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (٥٠)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ لَمْ يُقَصِّرْ فِي تَقْرِيرِ الدِّينِ الْحَقِّ، وَفِي الذَّبِّ عَنْهُ فَاللَّهُ تَعَالَى رَدَّ عَنْهُ كَيْدَ الْكَافِرِينَ وَقَصْدَ الْقَاصِدِينَ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ مَا مَكَرُوا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمَّا صَرَّحَ بِتَقْرِيرِ الْحَقِّ فَقَدْ قَصَدُوهُ بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ السُّوءِ، قَالَ مُقَاتِلٌ لَمَّا ذَكَرَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ قَصَدُوا قَتْلَهُ فَهَرَبَ مِنْهُمْ إِلَى الْجَبَلِ فَطَلَبُوهُ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، وَقِيلَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ مَا مَكَرُوا أَنَّهُمْ قَصَدُوا إِدْخَالَهُ فِي الْكُفْرِ وَصَرْفَهُ عَنِ الْإِسْلَامِ فَوَقَاهُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ إِلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى لِأَنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ لَا يَلِيقُ إِلَّا بِالْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَحاقَ/ بِآلِ فِرْعَوْنَ أَيْ أَحَاطَ بِهِمْ سُوءُ الْعَذابِ أَيْ غَرِقُوا فِي الْبَحْرِ، وَقِيلَ بَلِ الْمُرَادُ مِنْهُ النَّارُ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها قَالَ الزَّجَّاجُ النَّارُ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ سُوءُ الْعَذابِ قَالَ: وَجَائِزٌ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ مُرْتَفِعَةً عَلَى إِضْمَارِ تَفْسِيرِ سُوءُ الْعَذابِ كَأَنَّ قَائِلًا قَالَ: مَا سُوءُ الْعَذَابِ؟ فَقِيلَ: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها.
قَرَأَ حمزة حاق بِكَسْرِ الْحَاءِ وَكَذَلِكَ فِي كُلِّ الْقُرْآنِ وَالْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ أَمَّا قَوْلُهُ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا [إِلَى آخِرِ الْآيَةِ] فَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: احْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى إِثْبَاتِ عَذَابِ الْقَبْرِ قَالُوا الْآيَةُ تَقْتَضِي عَرْضَ النَّارِ عَلَيْهِمْ غُدُوًّا وَعَشِيًّا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِأَنَّهُ قَالَ: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ أَيْضًا الدُّنْيَا لِأَنَّ عَرْضَ النَّارِ عَلَيْهِمْ غُدُوًّا وَعَشِيًّا مَا كَانَ حَاصِلًا فِي الدُّنْيَا، فَثَبَتَ أَنَّ هَذَا الْعَرْضَ إِنَّمَا حَصَلَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى إِثْبَاتِ عَذَابِ الْقَبْرِ فِي حَقِّ هؤلاء، وإذ ثَبَتَ فِي حَقِّهِمْ ثَبَتَ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ لِأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ، فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ عَرْضِ النَّارِ عَلَيْهِمْ غُدُوًّا وَعَشِيًّا عَرْضَ النَّصَائِحِ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا؟ لِأَنَّ أَهْلَ الدِّينِ إِذَا ذَكَرُوا لَهُمُ التَّرْغِيبَ وَالتَّرْهِيبَ وَخَوَّفُوهُمْ بِعَذَابِ اللَّهِ فَقَدْ عَرَضُوا عَلَيْهِمُ النَّارَ، ثُمَّ نَقُولُ فِي الْآيَةِ مَا يَمْنَعُ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى عَذَابِ الْقَبْرِ وَبَيَانُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ ذَلِكَ الْعَذَابَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ دَائِمًا غَيْرَ مُنْقَطِعٍ، وَقَوْلُهُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا يَقْتَضِي أَنْ لَا يحصل ذلك
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute