للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حُصُولُ هَذَا الْعَمَلِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ اسْتِحْكَامَ الْأُلْفَةِ وَالْمَوَدَّةِ وَحُصُولِ الْمَصَالِحِ الْكَبِيرَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً [الرُّومِ: ٢١] .

وَالْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنَّهُ تَعَالَى أَوْدَعَ فِي الرَّحِمِ قُوَّةً شَدِيدَةَ الْجَذْبِ لِلْمَنِيِّ فَإِذَا وَاقَعَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ قَوِيَ الْجَذْبُ فَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنَ الْمَنِيِّ فِي الْمَجَارِي إِلَّا وَيَنْفَصِلُ. أَمَّا إِذَا وَاقَعَ الرَّجُلَ فَلَمْ يَحْصُلْ فِي ذَلِكَ الْعُضْوِ الْمُعَيَّنِ مِنَ الْمَفْعُولِ قُوَّةً جَاذِبَةً لِلْمَنِيِّ وَحِينَئِذٍ لَا يَكْمُلُ الْجَذْبُ فَيَبْقَى شَيْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَنِيِّ فِي تِلْكَ الْمَجَارِي وَلَا يَنْفَصِلُ وَيَعْفَنُ وَيَفْسُدُ وَيَتَوَلَّدُ مِنْهُ الْأَوْرَامُ الشَّدِيدَةُ وَالْأَسْقَامُ الْعَظِيمَةُ وَهَذِهِ فَائِدَةٌ لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهَا إِلَّا بالقوانين الطيبة فَهَذِهِ هِيَ الْوُجُوهُ الْمُوجِبَةُ لَقُبْحِ هَذَا الْعَمَلِ وَرَأَيْتُ بَعْضَ مَنْ كَانَ ضَعِيفًا فِي الدِّينِ يَقُولُ: إِنَّهُ تَعَالَى قَالَ: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ [المؤمنون: ٥ المعارج:

٢٩] وَذَلِكَ يَقْتَضِي حِلَّ وَطْءِ الْمَمْلُوكِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى قَالَ: وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّا نُخَصِّصُ هَذَا الْعُمُومَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ [الشُّعَرَاءِ: ١٦٥] وَقَوْلِهِ: أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ [الأعراف: ٨٠] قَالَ لِأَنَّ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَعَمُّ مِنَ الْأُخْرَى مِنْ وَجْهٍ وَأَخَصُّ مِنْ وَجْهٍ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ قَدْ يَكُونُ ذَكَرًا وَقَدْ يَكُونُ أُنْثَى وَأَيْضًا الذَّكَرُ قَدْ يَكُونُ مَمْلُوكًا وَقَدْ لَا يَكُونُ مَمْلُوكًا وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ تَخْصِيصُ إِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى أَوْلَى مِنَ الْعَكْسِ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ هَذَا الْجَانِبِ لِأَنَّ قَوْلَهُ: إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ شَرْعُ مُحَمَّدٍ وَقِصَّةُ لُوطٍ شَرْعُ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَشَرْعُ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَوْلَى مِنْ شَرْعِ مَنْ تَقَدَّمَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَأَيْضًا الْأَصْلُ فِي الْمَنَافِعِ وَالْمَلَاذِّ الْحِلُّ وَأَيْضًا الْمِلْكُ مُطْلَقٌ للتصرف. فقل لَهُ الِاسْتِدْلَالُ إِنَّمَا يُقْبَلُ فِي مَوْضِعِ الِاحْتِمَالِ وَقَدْ ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ الظَّاهِرِ مِنْ دِينِ مُحَمَّدٍ حُرْمَةُ هَذَا الْعَمَلِ وَالْمُبَالَغَةُ فِي الْمَنْعِ مِنْهُ وَالِاسْتِدْلَالُ إِذَا وَقَعَ فِي مُقَابَلَةِ النَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ كَانَ بَاطِلًا.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ لُوطٍ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ: بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ وَالْمَعْنَى كَأَنَّهُ قَالَ لَهُمْ: أَنْتُمْ مُسْرِفُونَ فِي كُلِّ الْأَعْمَالِ فَلَا يَبْعُدُ مِنْكُمْ أَيْضًا اقدامكم على هذا الإسراف.

[[سورة الأعراف (٧) : آية ٨٢]]

وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (٨٢)

وَالْمُرَادُ مِنْهُ أَخْرِجُوا لُوطًا وَأَتْبَاعَهُ لِأَنَّهُ تَعَالَى فِي غَيْرِ هَذِهِ السُّورَةِ قَالَ: أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ [النَّمْلِ: ٥٦] وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُمْ إِنَّمَا سَعَوْا فِي إِخْرَاجِ مَنْ نَهَاهُمْ عَنِ الْعَمَلِ الَّذِي يَشْتَهُونَهُ وَيُرِيدُونَهُ وَذَلِكَ النَّاهِي لَيْسَ إِلَّا لُوطًا وَقَوْمَهُ وَفِي قَوْلِهِ: يَتَطَهَّرُونَ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: / أَنَّ ذَلِكَ الْعَمَلَ تَصَرُّفٌ فِي مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ فَمَنْ تَرَكَهُ فَقَدْ تَطَهَّرَ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْبُعْدَ عَنِ الْإِثْمِ يُسَمَّى طَهَارَةً فَقَوْلُهُ: يَتَطَهَّرُونَ أَيْ يَتَبَاعَدُونَ عَنِ الْمَعَاصِي وَالْآثَامِ. الثَّالِثُ: أَنَّهُمْ إِنَّمَا قَالُوا: أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ عَلَى سَبِيلِ السُّخْرِيَةِ بِهِمْ وَتَطَهُّرِهِمْ مِنَ الْفَوَاحِشِ كَمَا يَقُولُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْفَسَقَةِ لِبَعْضِ الصُّلَحَاءِ إِذَا وَعَظَهُمْ: أَبْعِدُوا عَنَّا هَذَا الْمُتَقَشِّفَ وَأَرِيحُونَا مِنْ هذا المتزهد.

[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٨٣ الى ٨٤]

فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٨٣) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (٨٤)

<<  <  ج: ص:  >  >>