للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالوا في: فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ نَادَى مُنَادٍ أَسْمَعَ الْفَرِيقَيْنِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَذَلِكَ الْمُؤَذِّنُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَهُوَ صَاحِبُ الصُّورِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: بَيْنَهُمْ يَحْتَمِلُ أَنْ يكون ظرفا لقوله: فَأَذَّنَ وَالتَّقْدِيرُ: أَنَّ الْمُؤَذِّنَ أَوْقَعَ ذَلِكَ الْأَذَانَ بَيْنَهُمْ وَفِي وَسَطِهِمْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِقَوْلِهِ: مُؤَذِّنٌ وَالتَّقْدِيرُ: أَنَّ مُؤَذِّنًا مِنْ بَيْنِهِمْ أَذَّنَ بِذَلِكَ الْأَذَانِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ نَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو وَعَاصِمٌ أَنْ مُخَفَّفَةً لَعْنَةُ بِالرَّفْعِ وَالْبَاقُونَ مُشَدَّدَةً لَعْنَةَ بِالنَّصْبِ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَنْ شَدَّدَ فَهُوَ الْأَصْلُ وَمَنْ خَفَّفَ (أَنْ) فَهِيَ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الشَّدِيدَةِ عَلَى إِرَادَةِ إِضْمَارِ الْقِصَّةِ وَالْحَدِيثُ تَقْدِيرُهُ أَنَّهُ لَعَنَةُ اللَّهِ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [يُونُسَ: ١٠] التَّقْدِيرُ: أَنَّهُ وَلَا تُخَفَّفُ أَنْ إِلَّا وَيَكُونُ مَعَهَا إِضْمَارُ الْحَدِيثِ وَالشَّأْنِ. وَيَجُوزُ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ الْمُخَفَّفَةُ هِيَ الَّتِي لِلتَّفْسِيرِ كَأَنَّهَا تَفْسِيرٌ لِمَا أُذِّنُوا بِهِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي قَوْلِهِ: أَنْ قَدْ وَجَدْنا وَرَوَى صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» أَنَّ الْأَعْمَشَ قَرَأَ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ بِكَسْرِ إِنَّ عَلَى إِرَادَةِ الْقَوْلِ أَوْ على اجراء فَأَذَّنَ مَجْرَى «قَالَ» .

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْمُؤَذِّنَ أَوْقَعَ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى مَنْ كَانَ مَوْصُوفًا بِصِفَاتٍ أَرْبَعَةٍ.

الصِّفَةُ الْأُولَى: كَوْنُهُمْ ظَالِمِينَ. لِأَنَّهُ قَالَ: أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ قَالَ أَصْحَابُنَا الْمُرَادُ مِنْهُ/ الْمُشْرِكُونَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُنَاظَرَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ إِنَّمَا وَقَعَتْ بَيْنَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَبَيْنَ الْكُفَّارِ بدليل ان قول اهل الجنة فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا لَا يَلِيقُ ذِكْرُهُ إِلَّا مَعَ الْكُفَّارِ.

وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَقَوْلُ الْمُؤَذِّنِ بَعْدَهُ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُنْصَرِفًا إِلَيْهِمْ فَثَبَتَ ان المراد بالظالمين هاهنا الْمُشْرِكُونَ وَأَيْضًا أَنَّهُ وَصَفَ هَؤُلَاءِ الظَّالِمِينَ بِصِفَاتٍ ثَلَاثَةٍ. هِيَ مُخْتَصَّةٌ بِالْكُفَّارِ وَذَلِكَ يُقَوِّي مَا ذَكَرْنَاهُ وَقَالَ الْقَاضِي الْمُرَادُ مِنْهُ كُلُّ مَنْ كَانَ ظَالِمًا سَوَاءٌ كَانَ كَافِرًا أَوْ كَانَ فَاسِقًا تَمَسُّكًا بِعُمُومِ اللَّفْظِ.

الصِّفَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُمْ يَمْنَعُونَ النَّاسَ مِنْ قَبُولِ الدِّينِ الْحَقِّ تَارَةً بِالزَّجْرِ وَالْقَهْرِ وَأُخْرَى بِسَائِرِ الْحِيَلِ.

وَالصِّفَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَالْمُرَادُ مِنْهُ إِلْقَاءُ الشُّكُوكِ وَالشُّبُهَاتِ فِي دَلَائِلِ الدِّينِ الْحَقِّ.

وَالصِّفَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ أَنْ تِلْكَ اللَّعْنَةَ إِنَّمَا أَوْقَعَهَا ذَلِكَ الْمُؤَذِّنُ عَلَى الظَّالِمِينَ الْمَوْصُوفِينَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ الثَّلَاثَةِ كَانَ ذَلِكَ تَصْرِيحًا بِأَنَّ تِلْكَ اللَّعْنَةَ مَا وَقَعَتْ إِلَّا عَلَى الْكَافِرِينَ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي مِنْ أَنَّ ذَلِكَ اللَّعْنَ يَعُمُّ الْفَاسِقَ وَالْكَافِرَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٤٦ الى ٤٧]

وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ (٤٦) وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لَا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٧)

<<  <  ج: ص:  >  >>