[[سورة النور (٢٤) : آية ٢٠]]
وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (٢٠)
النوع الثامن وَفِيهِ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: أَنَّ جَوَابَهُ مَحْذُوفٌ وَكَأَنَّهُ قَالَ لَهَلَكْتُمْ أَوْ لَعَذَّبَكُمُ اللَّه وَاسْتَأْصَلَكُمْ لَكِنَّهُ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْخِطَابُ لِحَسَّانَ وَمِسْطَحٍ وَحَمْنَةَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ عَامًّا والثاني: جوابه في قوله:
ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً [النُّورِ: ٢١] وَالثَّالِثُ: جَوَابُهُ لَكَانَتِ الْفَاحِشَةُ تَشِيعُ فَتَعْظُمُ الْمَضَرَّةُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي مُسْلِمٍ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّ جَوَابَهُ مَحْذُوفٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ مِنْ بَعْدِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ [النور: ٢١] كَالْمُنْفَصِلِ مِنَ الْأَوَّلِ فَلَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لِلْأَوَّلِ، خُصُوصًا وَقَدْ وَقَعَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ كَلَامٌ آخَرُ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَوْلَا إِنْعَامُهُ بِأَنْ بَقِيَ وَأَمْهَلَ وَمَكَّنَ مِنَ التَّلَافِي لَهَلَكُوا، لَكِنَّهُ لِرَأْفَتِهِ لَا يَدَعُ مَا هُوَ لِلْعَبْدِ أَصْلَحُ وإن جنى على نفسه.
[[سورة النور (٢٤) : آية ٢١]]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢١)
النوع التَّاسِعُ قُرِئَ خُطُوَاتِ بِضَمِّ الطَّاءِ وَسُكُونِهَا، وَالْخُطُوَاتِ جَمْعُ خُطْوَةٍ وَهُوَ مِنْ خَطَا الرَّجُلُ يَخْطُو خَطْوًا، فَإِذَا أَرَدْتَ الْوَاحِدَةَ قُلْتَ خَطْوَةٌ مَفْتُوحَةَ الْأَوَّلِ، وَالْجَمْعُ يُفْتَحُ أَوَّلُهُ وَيَضُمُّ، وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ السِّيرَةُ وَالطَّرِيقَةُ، وَالْمَعْنَى لَا تَتَّبِعُوا آثَارَ الشَّيْطَانِ وَلَا تَسْلُكُوا مَسَالِكَهُ فِي الْإِصْغَاءِ إِلَى الْإِفْكِ وَالتَّلَقِّي لَهُ وَإِشَاعَةِ الْفَاحِشَةِ فِي الَّذِينَ آمَنُوا، واللَّه تَعَالَى وَإِنْ خَصَّ بِذَلِكَ الْمُؤْمِنِينَ فَهُوَ نَهْيٌ لِكُلِّ الْمُكَلَّفِينَ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ الْمُكَلَّفِينَ مَمْنُوعُونَ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّهُ تَعَالَى خَصَّ الْمُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ تَوَعَّدَهُمْ عَلَى اتِّبَاعِ خُطُوَاتِهِ بِقَوْلِهِ: وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَظَاهِرُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَتَّبِعُوهُ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْكُفَّارَ لَكَانُوا قَدِ اتَّبَعُوهُ، فَكَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا بَيَّنَ مَا عَلَى أَهْلِ الْإِفْكِ مِنَ الْوَعِيدِ أَدَّبَ الْمُؤْمِنِينَ أَيْضًا، بِأَنْ خَصَّهُمْ بِالذِّكْرِ لِيَتَشَدَّدُوا فِي تَرْكِ الْمَعْصِيَةِ، لِئَلَّا يَكُونَ حَالُهُمْ كَحَالِ أَهْلِ الْإِفْكِ وَالْفَحْشَاءِ وَالْفَاحِشَةُ ما أفرط قيحه، وَالْمُنْكَرُ مَا تُنْكِرُهُ النُّفُوسُ فَتَنْفِرُ عَنْهُ وَلَا تَرْتَضِيهِ.
أَمَّا قَوْلُهُ: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً فَقَرَأَ يَعْقُوبُ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ مَا زَكَّى بِالتَّشْدِيدِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الزَّكِيَّ مَنْ بَلَغَ فِي طَاعَةِ اللَّه مَبْلَغَ الرِّضَا وَمِنْهُ يُقَالُ زَكَى الزَّرْعُ، فَإِذَا بَلَغَ الْمُؤْمِنُ مِنَ الصَّلَاحِ فِي الدِّينِ إِلَى مَا يَرْضَاهُ اللَّه تَعَالَى سُمِّيَ زَكِيًّا، وَلَا يُقَالُ زَكِيٌّ إِلَّا إِذَا وُجِدَ زَكِيًّا، كَمَا لَا يُقَالُ لِمَنْ تَرَكَ الْهُدَى هَدَاهُ اللَّه تَعَالَى مُطْلَقًا، بَلْ يُقَالُ هُدَاهُ اللَّه فَلَمْ يَهْتَدِ، وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا فِي مَسْأَلَةِ الْمَخْلُوقِ بِقَوْلِهِ: وَلكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ فَقَالُوا التَّزْكِيَةَ كَالتَّسْوِيدِ وَالتَّحْمِيرِ فَكَمَا أَنَّ التَّسْوِيدَ تَحْصِيلُ السَّوَادِ، فَكَذَا التَّزْكِيَةُ تَحْصِيلُ الزَّكَاءِ فِي الْمَحَلِّ، قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ هَاهُنَا تَأْوِيلَانِ: أَحَدُهُمَا: حَمْلُ التَّزْكِيَةِ عَلَى فِعْلِ الْأَلْطَافِ وَالثَّانِي: حَمْلُهَا عَلَى الْحُكْمِ بِكَوْنِ الْعَبْدِ زَكِيًّا، قَالَ أَصْحَابُنَا: الْوَجْهَانِ عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ، ثُمَّ نقيم الدلالة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute