للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ كَفَرُوا الْوَاوُ لِلْحَالِ، أَيْ وَحَالُهُمْ أَنَّهُمْ كَفَرُوا: بِما جاءَكُمْ مِنَ الدِّينِ الْحَقِّ، وَقِيلَ: مِنَ الْقُرْآنِ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ يَعْنِي مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ أَنْ تُؤْمِنُوا أَيْ لِأَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ وَقَوْلُهُ:

إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ قَالَ الزَّجَّاجُ: هُوَ شَرْطٌ جَوَابُهُ مُتَقَدِّمٌ وَهُوَ: لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ، وَقَوْلُهُ:

جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي مَنْصُوبَانِ لِأَنَّهُمَا مَفْعُولَانِ لَهُمَا، تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ عَنْ مُقَاتِلٍ بِالنَّصِيحَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ أَحْوَالِهِمْ شَيْءٌ، فَقَالَ: وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ مِنَ الْمَوَدَّةِ لِلْكُفَّارِ وَما أَعْلَنْتُمْ أَيْ أَظْهَرْتُمْ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ هَذَا عَامًّا فِي كُلِّ مَا يُخْفِي وَيُعْلِنُ، قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ أَعْلَمُ بِسَرَائِرِ الْعَبْدِ وَخَفَايَاهُ وَظَاهِرِهِ، وَبَاطِنِهِ، مِنْ أَفْعَالِهِ وَأَحْوَالِهِ، وَقَوْلُهُ: وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْكِنَايَةُ رَاجِعَةً إِلَى الْإِسْرَارِ، وَإِلَى الْإِلْقَاءِ، وَإِلَى اتِّخَاذِ الْكُفَّارِ أَوْلِيَاءَ، لِمَا أَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ مَذْكُورَةٌ مِنْ قَبْلُ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ فِيهِ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ عَدَلَ عَنْ قَصْدِ الْإِيمَانِ فِي اعْتِقَادِهِ، وَعَنْ مُقَاتِلٍ: قَدْ أَخْطَأَ قَصْدَ الطَّرِيقِ عَنِ الْهُدَى، ثُمَّ فِي الْآيَةِ مَبَاحِثُ:

الْأَوَّلُ: إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ مُتَعَلِّقٌ بِلَا تتخذوا، يعني لا تتلوا أعدائي إن كنتم أوليائي، وتُسِرُّونَ اسْتِئْنَافٌ، مَعْنَاهُ: أَيُّ طَائِلٍ لَكُمْ فِي إِسْرَارِكُمْ وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ الْإِخْفَاءَ وَالْإِعْلَانَ سِيَّانِ فِي عِلْمِي.

الثَّانِي: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ الْآيَةَ، قَضِيَّةٌ شَرْطِيَّةٌ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يُمْكِنُ وُجُودُ الشَّرْطِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ بِدُونِ ذَلِكَ النَّهْيِ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ يُمْكِنُ، فَنَقُولُ: هَذَا الْمَجْمُوعُ شَرْطٌ لِمُقْتَضَى ذَلِكَ النَّهْيِ، لَا لِلنَّهْيِ بِصَرِيحِ اللَّفْظِ، وَلَا يُمْكِنُ وُجُودُ الْمَجْمُوعِ بِدُونِ ذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ مَوْجُودٌ دَائِمًا، فَالْفَائِدَةُ فِي ابْتِغَاءِ مَرْضَاتِي ظَاهِرَةٌ، إِذِ الْخُرُوجُ قَدْ يَكُونُ ابْتِغَاءً لِمَرْضَاةِ اللَّه وَقَدْ لَا يَكُونُ.

الثَّالِثُ: قَالَ تَعَالَى: بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَلَمْ يَقُلْ: بِمَا أَسْرَرْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ، مَعَ أَنَّهُ أَلْيَقُ بِمَا سَبَقَ وَهُوَ تُسِرُّونَ، فَنَقُولُ فِيهِ مِنَ الْمُبَالَغَةِ مَا لَيْسَ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ الْإِخْفَاءَ أَبْلَغُ مِنَ الْإِسْرَارِ، دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى [طه: ٧] أَيْ أَخْفَى مِنَ السِّرِّ.

الرَّابِعُ: قَالَ: بِما أَخْفَيْتُمْ قَدَّمَ الْعِلْمَ بِالْإِخْفَاءِ عَلَى الْإِعْلَانِ، مَعَ أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَلْزِمٌ لِهَذَا مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ.

فَنَقُولُ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى عِلْمِنَا، لَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى عِلْمِهِ تَعَالَى، إِذْ هُمَا سِيَّانِ فِي عِلْمِهِ كَمَا مَرَّ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ بَيَانُ مَا هُوَ الْأَخْفَى وَهُوَ الْكُفْرُ، فَيَكُونُ مُقَدَّمًا.

الْخَامِسُ: قَالَ تَعَالَى: وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ مَا الْفَائِدَةُ فِي قَوْلِهِ: مِنْكُمْ وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَنْ فَعَلَ هَذَا الْفِعْلَ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ نَقُولُ: إِذَا كَانَ الْمُرَادُ مِنْ مِنْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَظَاهِرٌ، لِأَنَّ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ الْفِعْلَ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُؤْمِنًا.

ثُمَّ إِنَّهُ أَخْبَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِعَدَاوَةِ كُفَّارِ أَهْلِ مكة فقال:

[سورة الممتحنة (٦٠) : الآيات ٢ الى ٣]

إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (٢) لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣)

يَثْقَفُوكُمْ يَظْفَرُوا بِكُمْ وَيَتَمَكَّنُوا مِنْكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ فِي غَايَةِ الْعَدَاوَةِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>