بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم
سُورَةُ الْمُمْتَحِنَةِ
وَهِيَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ آيَةً مَدَنِيَّةً
[[سورة الممتحنة (٦٠) : آية ١]]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (١)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّ من جُمْلَةَ مَا يَتَحَقَّقُ بِهِ التَّعَلُّقُ بِمَا قَبْلَهَا هُوَ أَنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي بَيَانِ حَالِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الْحَاضِرِينَ فِي زَمَانِهِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَغَيْرِهِمْ، فَإِنَّ بَعْضَهُمْ أَقْدَمُوا عَلَى الصُّلْحِ وَاعْتَرَفُوا بِصِدْقِهِ، وَمِنْ جُمْلَتِهِمْ بَنُو النَّضِيرِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: واللَّه إِنَّهُ النَّبِيُّ الَّذِي وَجَدْنَا نَعْتَهُ وَصِفْتَهُ فِي التَّوْرَاةِ، وَبَعْضُهُمْ أَنْكَرُوا ذَلِكَ وَأَقْدَمُوا عَلَى الْقِتَالِ، إِمَّا عَلَى التَّصْرِيحِ وَإِمَّا عَلَى الْإِخْفَاءِ، فَإِنَّهُمْ مَعَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي الظَّاهِرِ، وَمَعَ أَهْلِ الْكُفْرِ فِي الْبَاطِنِ، وَأَمَّا تَعَلُّقُ الْأَوَّلِ بِالْآخِرِ فَظَاهِرٌ، لِمَا أَنَّ آخِرَ تِلْكَ السُّورَةِ يَشْتَمِلُ عَلَى الصِّفَاتِ الْحَمِيدَةِ لِحَضْرَةِ اللَّه تَعَالَى مِنَ الْوَحْدَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَأَوَّلَ هَذِهِ السُّورَةِ مُشْتَمِلٌ عَلَى حُرْمَةِ الِاخْتِلَاطِ مَعَ مَنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَمَّا سَبَبُ النُّزُولِ
فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ، لَمَّا كَتَبَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَجَهَّزُ لِلْفَتْحِ وَيُرِيدُ أَنْ يَغْزُوَكُمْ فَخُذُوا حِذْرَكُمْ، ثُمَّ أَرْسَلَ ذَلِكَ الْكِتَابَ مَعَ امْرَأَةٍ مَوْلَاةٍ لِبَنِي هَاشِمٍ، يُقَالُ لَهَا سَارَّةُ جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَمُسْلِمَةً جِئْتِ؟ قَالَتْ: لَا، قَالَ:
أَمُهَاجِرَةً جِئْتِ؟ قَالَتْ: لَا، قَالَ: فَمَا جَاءَ بِكِ؟ قَالَتْ: قَدْ ذَهَبَ الْمَوَالِي يَوْمَ بَدْرٍ- أَيْ قُتِلُوا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ- فَاحْتَجْتُ حَاجَةً شَدِيدَةً فَحَثَّ عَلَيْهَا بَنِي الْمُطَّلِبِ فَكَسَوْهَا وَحَمَلُوهَا وَزَوَّدُوهَا، فَأَتَاهَا حَاطِبٌ وَأَعْطَاهَا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ وَكَسَاهَا بُرْدًا وَاسْتَحْمَلَهَا ذَلِكَ الْكِتَابَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ، فَخَرَجَتْ سَائِرَةً، فَأَطْلَعَ اللَّه الرَّسُولَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى ذَلِكَ، فَبَعَثَ عَلِيًّا وَعُمَرَ وَعَمَّارًا وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ خَلْفَهَا وَهُمْ فُرْسَانٌ، فَأَدْرَكُوهَا وَسَأَلُوهَا عَنْ ذَلِكَ فَأَنْكَرَتْ وَحَلَفَتْ، فَقَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: واللَّه مَا كَذَبْنَا، وَلَا كَذَبَ رَسُولُ اللَّه، وَسَلَّ سَيْفَهُ، فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِ شَعْرِهَا، فَجَاءُوا بِالْكِتَابِ إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَرَضَهُ عَلَى حَاطِبٍ فَاعْتَرَفَ، وَقَالَ: إِنَّ لِي بِمَكَّةَ أَهْلًا وَمَالًا فَأَرَدْتُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute