عُثْمَانَ عَلَى الطَّائِفِ فَصَنَعَ لِعُثْمَانَ طَعَامًا وَصَنَعَ فِيهِ الْحَجَلَ وَالْيَعَاقِيبَ وَلُحُومَ الْوَحْشِ فَبَعَثَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَجَاءَهُ الرَّسُولُ فَجَاءَ فَقَالُوا لَهُ كُلْ فَقَالَ عَلِيٌّ: أَطْعِمُونَا قُوتًا حَلَالًا فَإِنَّا حُرُمٌ، ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْشُدُ اللَّه مَنْ كَانَ/ هَاهُنَا مِنْ أَشْجَعَ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّه أَهْدَى إِلَيْهِ رَجُلٌ حِمَارَ وَحْشٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَهُ فَقَالُوا نَعَمْ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ لَحْمَ الصَّيْدِ مُبَاحٌ لِلْمُحْرِمِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَصْطَادَهُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُصْطَادَ لَهُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّه، وَالْحُجَّةُ فِيهِ مَا
رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي «سُنَنِهِ» عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: صَيْدُ الْبَرِّ لَكُمْ حَلَالٌ مَا لم تصيدوه أو يصاد لَكُمْ» .
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ إِذَا صِيدَ لِلْمُحْرِمِ بِغَيْرِ إِعَانَتِهِ وَإِشَارَتِهِ حَلَّ لَهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّه،
رُوِيَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ اصْطَادَ حِمَارَ وَحْشٍ وَهُوَ حَلَالٌ فِي أَصْحَابٍ مُحْرِمِينَ لَهُ فَسَأَلُوا الرَّسُولَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ فَقَالَ: «هَلْ أَشَرْتُمْ هَلْ أَعَنْتُمْ فَقَالُوا لَا» . فَقَالَ: هَلْ بَقِيَ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ
أَوْجَبَ الْإِبَاحَةَ عِنْدَ عَدَمِ الْإِشَارَةِ وَالْإِعَانَةِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ مُفَرَّعَانِ عَلَى تَخْصِيصِ عُمُومِ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَالثَّانِي فِي غَايَةِ الضَّعْفِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّهْدِيدُ لِيَكُونَ الْمَرْءُ مُوَاظِبًا عَلَى الطاعة محترزا عن المعصية.
[[سورة المائدة (٥) : آية ٩٧]]
جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٩٧)
قَوْلُهُ تَعَالَى: جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ.
اعْلَمْ أَنَّ اتِّصَالَ هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا قَبْلَهَا، هُوَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى حَرَّمَ فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ الِاصْطِيَادَ عَلَى الْمُحْرِمِ، فَبَيَّنَ أَنَّ الْحَرَمَ كَمَا أَنَّهُ سَبَبٌ لِأَمْنِ الْوَحْشِ وَالطَّيْرِ، فَكَذَلِكَ هُوَ سَبَبٌ لِأَمْنِ النَّاسِ عَنِ الْآفَاتِ وَالْمُخَافَاتِ، وَسَبَبٌ لِحُصُولِ الْخَيْرَاتِ وَالسَّعَادَاتِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ قَيِّمًا بِغَيْرِ أَلِفٍ، وَمَعْنَاهُ الْمُبَالَغَةُ فِي كَوْنِهِ قَائِمًا بِإِصْلَاحِ مُهِمَّاتِ النَّاسِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: دِيناً قِيَماً [الْأَنْعَامِ: ١٦١] وَالْبَاقُونَ بِالْأَلِفِ، وَقَدِ اسْتَقْصَيْنَا ذَلِكَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: جَعَلَ فِيهِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ بَيَّنَ وَحَكَمَ، الثَّانِي: أَنَّهُ صَيَّرَ، فَالْأَوَّلُ بِالْأَمْرِ وَالتَّعْرِيفِ، وَالثَّانِي بِخَلْقِ الدَّوَاعِي فِي قُلُوبِ النَّاسِ لِتَعْظِيمِهِ وَالتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: سُمِّيَتِ الْكَعْبَةُ كَعْبَةً لِارْتِفَاعِهَا، يُقَالُ لِلْجَارِيَةِ إِذَا نَتَأَ ثَدْيُهَا وَخَرَجَ كَاعِبٌ وَكَعَابٌ، وَكَعْبُ الْإِنْسَانِ يُسَمَّى كَعْبًا لِنُتُوِّهِ مِنَ السَّاقِ، فَالْكَعْبَةُ لَمَّا ارْتَفَعَ ذِكْرُهَا فِي الدُّنْيَا وَاشْتَهَرَ أَمْرُهَا فِي الْعَالَمِ سُمِّيَتْ بِهَذَا الِاسْمِ، وَلِذَلِكَ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ لِمَنْ عَظُمَ أَمْرُهُ فُلَانٌ عَلَا كَعْبُهُ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ قِياماً لِلنَّاسِ أَصْلُهُ قِوَامٌ لِأَنَّهُ مِنْ قَامَ يَقُومُ، وَهُوَ مَا يَسْتَقِيمُ بِهِ الْأَمْرُ وَيَصْلُحُ، ثُمَّ ذَكَرُوا هَاهُنَا فِي كَوْنِ الْكَعْبَةِ سَبَبًا لِقِوَامِ مَصَالِحِ النَّاسِ وُجُوهًا: الْأَوَّلُ: أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ كَانُوا مُحْتَاجِينَ إِلَى حُضُورِ أَهْلِ الْآفَاقِ عِنْدَهُمْ لِيَشْتَرُوا مِنْهُمْ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ طُولَ السَّنَةِ، فَإِنَّ مَكَّةَ بَلْدَةٌ ضَيِّقَةٌ لَا ضَرْعَ فِيهَا وَلَا زَرْعَ، وَقَلَّمَا