للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَوَّلُ: وَهُوَ الْأَحْسَنُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: أَنَّ الصَّيْدَ مَا صِيدَ بِالْحِيلَةِ حَالَ حَيَاتِهِ وَالطَّعَامُ مَا يُوجَدُ مِمَّا لَفَظَهُ الْبَحْرُ أَوْ نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ مِنْ غَيْرِ مُعَالَجَةٍ فِي أَخْذِهِ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ مِمَّا قِيلَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ صَيْدَ الْبَحْرِ هُوَ الطَّرِيُّ، وَأَمَّا طَعَامُ الْبَحْرِ فَهُوَ الَّذِي جُعِلَ مُمَلَّحًا، لِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ عَتِيقًا سَقَطَ اسْمُ الصَّيْدِ عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَمُقَاتِلٍ وَالنَّخَعِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الَّذِي صَارَ مَالِحًا فَقَدْ كَانَ طَرِيًّا وَصَيْدًا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ فَيَلْزَمُ التَّكْرَارُ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ الِاصْطِيَادَ قَدْ يَكُونُ لِلْأَكْلِ وَقَدْ يَكُونُ لِغَيْرِهِ مِثْلُ اصْطِيَادِ الصَّدَفِ لِأَجْلِ اللُّؤْلُؤِ، وَاصْطِيَادِ بَعْضِ الْحَيَوَانَاتِ الْبَحْرِيَّةِ لِأَجْلِ عِظَامِهَا وَأَسْنَانِهَا فَقَدْ حَصَلَ التَّغَايُرُ بَيْنَ الِاصْطِيَادِ مِنَ الْبَحْرِ وَبَيْنَ الْأَكْلِ مِنْ طَعَامِ الْبَحْرِ واللَّه أَعْلَمُ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّه: السَّمَكَةُ الطَّافِيَةُ فِي الْبَحْرِ مُحَلَّلَةٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّه مُحَرَّمَةٌ: حُجَّةُ الشَّافِعِيِّ الْقُرْآنُ وَالْخَبَرُ، أَمَّا الْقُرْآنُ فَهُوَ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَكْلُهُ فَيَكُونُ طَعَامًا فَوَجَبَ أَنْ يَحِلَّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:

أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ وَأَمَّا الْخَبَرُ

فَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْبَحْرِ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» .

الْمَسْأَلَةُ الرابعة: قوله لِلسَّيَّارَةِ يَعْنِي أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ لِلْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ، فَالطَّرِيُّ لِلْمُقِيمِ، وَالْمَالِحُ لِلْمُسَافِرِ.

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: فِي انْتِصَابِ قَوْلِهِ مَتاعاً لَكُمْ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: قَالَ الزَّجَّاجُ انْتَصَبَ لِكَوْنِهِ مَصْدَرًا مُؤَكِّدًا إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا قِيلَ: أُحِلَّ لَكُمْ كَانَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ مُنْعَمٌ بِهِ، كَمَا أَنَّهُ لَمَّا قِيلَ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ [النِّسَاءِ: ٢٣] كَانَ دَلِيلًا عَلَى أنه كتب عليهم ذلك فقال كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [النساء: ٢٤] الثَّانِي: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» انْتَصَبَ لِكَوْنِهِ مَفْعُولًا لَهُ، أَيْ أُحِلَّ لَكُمْ تَمْتِيعًا لَكُمْ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَفِيهِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ تَحْرِيمَ الصَّيْدِ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ مِنْ قَوْلِهِ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ [المائدة: ١] إلى قوله وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا [المائدة: ٢] وَمِنْ قَوْلِهِ لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ [المائدة: ٩٥] إِلَى قَوْلِهِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: صَيْدُ الْبَحْرِ هُوَ الَّذِي لَا يَعِيشُ إِلَّا فِي الْمَاءِ، أَمَّا الَّذِي لَا يَعِيشُ إِلَّا فِي الْبَرِّ وَالَّذِي يُمْكِنُهُ أَنْ يَعِيشَ فِي الْبَرِّ تَارَةً وَفِي الْبَحْرِ أُخْرَى فَذَاكَ كُلُّهُ صَيْدُ الْبَرِّ، فَعَلَى هَذَا السُّلَحْفَاةُ، وَالسَّرَطَانُ، وَالضِّفْدَعُ، وَطَيْرُ الْمَاءِ، كُلُّ ذَلِكَ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ، وَيَجِبُ عَلَى قَاتِلِهِ الْجَزَاءُ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّيْدُ، وَاخْتَلَفُوا فِي الصَّيْدِ الَّذِي يَصِيدُهُ الْحَلَالُ هَلْ يَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: وَهُوَ

قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَطَاوُسٍ، وَذَكَرَهُ الثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ بِكُلِّ حَالٍ،

وَعَوَّلُوا فِيهِ عَلَى قَوْلِهِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَذَلِكَ لِأَنَّ صَيْدَ الْبَرِّ يَدْخُلُ فِيهِ مَا اصْطَادَهُ الْمُحْرِمُ وَمَا اصْطَادَهُ الْحَلَالُ، وَكُلُّ ذَلِكَ صَيْدُ الْبَرِّ،

وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي «سُنَنِهِ» عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ الحرث عن أبيه قال: كان الحرث خليفة

<<  <  ج: ص:  >  >>