عَنْ ذَلِكَ الْأَمْرِ، فَقَالَ: إِنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ، وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَقُلْنَا: أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ وَدَابِرُهُمْ آخِرُهُمْ، يَعْنِي يُسْتَأْصَلُونَ عَنْ آخِرِهِمْ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ وَقَوْلُهُ: مُصْبِحِينَ أي حال ظهور الصبح.
[سورة الحجر (١٥) : الآيات ٦٧ الى ٧٧]
وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (٦٧) قالَ إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ (٦٨) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ (٦٩) قالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ (٧٠) قالَ هؤُلاءِ بَناتِي إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (٧١)
لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (٧٢) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (٧٣) فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (٧٤) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (٧٥) وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (٧٦)
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (٧٧)
[في قوله تعالى وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ إلى قوله إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ] اعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ قَوْمُ لُوطٍ، وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى الْمَكَانِ الَّذِي جَاءُوهُ إِلَّا أَنَّ الْقِصَّةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ جَاءُوا دَارَ لُوطٍ. قِيلَ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَمَّا كَانُوا فِي غَايَةِ الْحُسْنِ اشْتُهِرَ خَبَرُهُمْ حَتَّى وَصَلَ إِلَى قَوْمِ لُوطٍ. وَقِيلَ: امْرَأَةُ لُوطٍ أَخْبَرَتْهُمْ بِذَلِكَ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْقَوْمُ قَالُوا: نَزَلَ بِلُوطٍ ثلاثة من المراد مَا رَأَيْنَا قَطُّ أَصْبَحَ وَجْهًا وَلَا أَحْسَنَ شَكْلًا مِنْهُمْ فَذَهَبُوا إِلَى دَارِ لُوطٍ طَلَبًا منهم لأولئك المراد وَالِاسْتِبْشَارُ إِظْهَارُ السُّرُورِ فَقَالَ لَهُمْ لُوطٌ لَمَّا قَصَدُوا أَضْيَافَهُ كَلَامَيْنِ:
الْكَلَامُ الْأَوَّلُ: قَالَ: إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ يُقَالُ فَضَحَهُ يَفْضَحُهُ فَضْحًا وَفَضِيحَةً إِذَا أَظْهَرَ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَلْزَمُهُ بِهِ الْعَارُ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الضَّيْفَ يَجِبُ إِكْرَامُهُ فَإِذَا قَصَدْتُمُوهُمْ بِالسُّوءِ كَانَ ذَلِكَ إِهَانَةً بِي، ثُمَّ أَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فَأَجَابُوهُ بِقَوْلِهِمْ: أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ وَالْمَعْنَى: أَلَسْنَا قَدْ نَهَيْنَاكَ أَنْ تُكَلِّمَنَا فِي أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ إِذَا قَصَدْنَاهُ بِالْفَاحِشَةِ.
وَالْكَلَامُ الثَّانِي: مِمَّا قَالَهُ لُوطٌ قَوْلُهُ: هؤُلاءِ بَناتِي إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ قِيلَ: الْمُرَادُ بَنَاتُهُ مِنْ صُلْبِهِ، وَقِيلَ:
الْمُرَادُ نِسَاءُ قَوْمِهِ، لِأَنَّ رَسُولَ الْأُمَّةِ يَكُونُ كَالْأَبِ لَهُمْ وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: النَّبِيُّ أَوْلى / بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ [الْأَحْزَابِ: ٦] وَفِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ وَهُوَ أَبٌ لَهُمْ، وَالْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَبَاحِثِ قَدْ مَرَّ بِالِاسْتِقْصَاءِ فِي سُورَةِ هُودٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
أما قوله: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ فِيهِ مَسَائِلُ:
المسألة الْأُولَى: الْعَمْرُ وَالْعُمْرُ وَاحِدٌ وَسُمِّيَ الرَّجُلُ عُمَرًا تَفَاؤُلًا أَنْ يَبْقَى وَمِنْهُ قَوْلُ ابن أحمر: