[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٢٢ الى ٢٣]
وَحُورٌ عِينٌ (٢٢) كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (٢٣)
وَفِيهَا قِرَاءَاتٌ الْأُولَى: الرَّفْعُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَيَكُونُ عَطْفًا عَلَى وِلْدَانٌ، فَإِنْ قِيلَ قَالَ قَبْلَهُ: حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ [الرَّحْمَنِ: ٧٢] إِشَارَةً إِلَى كَوْنِهَا مُخَدَّرَةً وَمَسْتُورَةً، فَكَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُكَ: إِنَّهُ عَطْفٌ عَلَى وِلْدَانٌ؟ نَقُولُ: الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَنْ نَقُولَ: هُوَ عَطْفٌ عَلَيْهِمْ فِي اللَّفْظِ لَا فِي الْمَعْنَى، أَوْ فِي الْمَعْنَى عَلَى التَّقْدِيرِ وَالْمَفْهُومِ لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ [الواقعة: ١٧] مَعْنَاهُ لَهُمْ وِلْدَانٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ [الطور: ٢٤] فَيَكُونُ: وَحُورٌ عِينٌ بِمَعْنَى وَلَهُمْ حُورٌ عِينٌ وَثَانِيهِمَا: وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: لَيْسَتِ الْحُورُ مُنْحَصِرَاتٍ فِي جِنْسٍ، بَلْ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ: حُورٌ مَقْصُوراتٌ في حظائر معظمات ولهن جواري وخوادم، وَحُورٌ تَطُوفُ مَعَ الْوِلْدَانِ السُّقَاةِ فَيَكُونُ كَأَنَّهُ قَالَ: يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ وَنِسَاءٌ الثَّانِيَةُ: الْجَرُّ عَطْفًا عَلَى أَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُطَافُ بِهِنَّ عَلَيْهِمْ؟ نَقُولُ: الْجَوَابُ سَبَقَ عِنْدَ قوله: وَلَحْمِ طَيْرٍ [الواقعة: ٢١] أو عطفا على: جَنَّاتِ [الواقعة: ١٢] أَيْ: أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ وَحُورٌ. وَقُرِئَ حُورًا عِينًا بِالنَّصْبِ، وَلَعَلَّ الْحَاصِلَ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ عَلَى غَيْرِ الْعَطْفِ بِمَعْنَى الْعَطْفِ لَكِنَّ هَذَا الْقَارِئَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ تَقْدِيرِ نَاصِبٍ فَيَقُولُ: يُؤْتَوْنَ حُورًا فَيُقَالُ: قَدْ رَافِعًا فَقَالَ: وَلَهُمْ حُورٌ عِينٌ فَلَا يَلْزَمُ الْخُرُوجُ عَنْ مُوَافَقَةِ الْعَاطِفِ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ فِيهِ مَبَاحِثُ:
الْأَوَّلُ: الْكَافُ لِلتَّشْبِيهِ، وَالْمِثْلُ حَقِيقَةٌ فِيهِ، فَلَوْ قَالَ: أَمْثَالُ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ لَمْ يَكُنْ إِلَى الْكَافِ حَاجَةٌ، فَمَا وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ كَلِمَتَيِ التَّشْبِيهِ؟ نَقُولُ: الْجَوَابُ الْمَشْهُورُ أَنَّ كَلِمَتَيِ التَّشْبِيهِ يُفِيدَانِ التَّأْكِيدَ وَالزِّيَادَةَ فِي التَّشْبِيهِ، فَإِنْ قِيلَ: لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا يُفِيدَانِ مَا يُفِيدُ أَحَدُهُمَا لِأَنَّكَ إِنْ قُلْتَ مَثَلًا: هُوَ كَاللُّؤْلُؤَةِ لِلْمُشَبَّهِ، دُونَ الْمُشَبَّهِ بِهِ فِي الْأَمْرِ الَّذِي لِأَجْلِهِ التَّشْبِيهُ؟ نَقُولُ: التَّحْقِيقُ فِيهِ، هُوَ أَنَّ الشَّيْءَ إِذَا كَانَ لَهُ مَثَلٌ فَهُوَ مِثْلُهُ، فَإِذَا قُلْتَ هُوَ مِثْلُ الْقَمَرِ لَا يَكُونُ فِي الْمُبَالَغَةِ مِثْلَ قَوْلِكَ هُوَ قَمَرٌ وَكَذَلِكَ قَوْلُنَا: هُوَ كَالْأَسَدِ، وَهُوَ أَسَدٌ، فَإِذَا قُلْتَ: كَمِثْلِ اللُّؤْلُؤِ كَأَنَّكَ قُلْتَ: مِثْلُ اللُّؤْلُؤِ وَقَوْلُكَ: هُوَ اللُّؤْلُؤُ أَبْلَغُ مِنْ قَوْلِكَ: هُوَ كَاللُّؤْلُؤِ، وَهَذَا الْبَحْثُ يُفِيدُنَا هاهنا، وَلَا يُفِيدُنَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشُّورَى: ١١] لِأَنَّ النَّفْيَ فِي مُقَابَلَةِ الْإِثْبَاتِ، وَلَا يُفْهَمُ مَعْنَى النَّفْيِ مِنَ الْكَلَامِ مَا لَمْ يُفْهَمْ مَعْنَى الْإِثْبَاتِ الَّذِي يُقَابِلُهُ، فَنَقُولُ قَوْلُهُ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، فَنَفَى مَا أَثْبَتَهُ لَكِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: كَمِثْلِهِ شَيْءٌ إِذَا لَمْ نَقُلْ بِزِيَادَةِ الْكَافِ هُوَ أَنَّ مِثْلَ مِثْلِهِ شَيْءٌ، وَهَذَا كَلَامٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ مِثْلًا، ثُمَّ إِنَّ لِمِثْلِهِ مِثْلًا، فَإِذَا قُلْنَا: لَيْسَ كَذَلِكَ كَانَ رَدًّا عَلَيْهِ، وَالرَّدُّ عَلَيْهِ صَحِيحٌ بَقِيَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الرَّادَّ عَلَى مَنْ يُثْبِتُ أُمُورًا لَا يَكُونُ نَافِيًا لِكُلِّ مَا أَثْبَتَهُ، فَإِذَا قَالَ قَائِلٌ: زَيْدٌ عَالِمٌ جَيِّدٌ، ثُمَّ قِيلَ رَدًّا عَلَيْهِ: لَيْسَ زَيْدٌ عَالِمًا جَيِّدًا لَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ يَكُونَ نَافِيًا لِكَوْنِهِ عَالِمًا، فَمَنْ يَقُولُ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ بِمَعْنَى لَيْسَ مِثْلَ مِثْلِهِ شَيْءٌ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ نَافِيًا لِمِثْلِهِ، بَلْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نَافِيًا لِمِثْلِ الْمِثْلِ، فَلَا يَكُونُ/ الرَّادُّ أَيْضًا مُوَحِّدًا فَيُخْرِجُ الْكَلَامَ عَنْ إِفَادَةِ التَّوْحِيدِ، فَنَقُولُ: يَكُونُ مُفِيدًا لِلتَّوْحِيدِ لِأَنَّا إِذَا قُلْنَا: لَيْسَ مِثْلَ مِثْلِهِ شَيْءٌ لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مِثْلٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ لَكَانَ هُوَ مِثْلَ مِثْلِهِ، وَهُوَ شَيْءٌ بِدَلِيلِ قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ [الْأَنْعَامِ: ١٩] فَإِنَّ حَقِيقَةَ الشَّيْءِ هُوَ الْمَوْجُودُ فَيَكُونُ مِثْلَ مِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ مَنْفِيٌّ بِقَوْلِنَا: لَيْسَ مِثْلَ مِثْلِهِ شَيْءٌ، فَعُلِمَ أَنَّ الْكَلَامَ لَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute