للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ورابعها: قوله: وَاعْفُ عَنَّا لِأَنَّكَ أَنْتَ الْمَالِكُ لِلْقَضَاءِ وَالْحُكُومَةِ فِي يَوْمِ الدِّينِ، وَهُوَ قَوْلُهُ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ.

وَخَامِسُهَا: قوله تعالى: وَاغْفِرْ لَنا لِأَنَّا فِي الدُّنْيَا عَبَدْنَاكَ وَاسْتَعَنَّا بِكَ فِي كُلِّ الْمُهِمَّاتِ، وَهُوَ قَوْلُهُ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نستعين.

وسادسها: قوله: وَارْحَمْنا لِأَنَّا طَلَبْنَا الْهِدَايَةَ مِنْكَ فِي قَوْلِنَا: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ.

وَسَابِعُهَا: قَوْلُهُ: أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ [الْبَقَرَةِ: ٢٨٦] وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ.

فَهَذِهِ الْمَرَاتِبُ السَّبْعُ الْمَذْكُورَةُ فِي آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ذَكَرَهَا مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي عَالَمِ الرُّوحَانِيَّاتِ عِنْدَ صُعُودِهِ إِلَى الْمِعْرَاجِ، فَلَمَّا نَزَلَ مِنَ الْمِعْرَاجِ فَاضَ أَثَرُ الْمَصْدَرِ عَلَى الْمَظْهَرِ فَوَقَعَ التَّعْبِيرُ عَنْهَا بِسُورَةِ الْفَاتِحَةِ، فَمَنْ قَرَأَهَا فِي صَلَاتِهِ صَعِدَتْ هَذِهِ الْأَنْوَارُ مِنَ الْمَظْهَرِ إِلَى الْمَصْدَرِ كَمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْأَنْوَارُ فِي عَهْدِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنَ الْمَصْدَرِ إِلَى الْمَظْهَرِ، فَلِهَذَا السَّبَبِ

قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «الصَّلَاةُ مِعْرَاجُ الْمُؤْمِنِ» .

الْفَصْلُ الثَّانِي فِي مَدَاخِلِ الشيطان:

مَدَاخِلِ الشَّيْطَانِ:

اعْلَمْ أَنَّ الْمَدَاخِلَ الَّتِي يَأْتِي الشَّيْطَانُ مِنْ قِبَلِهَا فِي الْأَصْلِ ثَلَاثَةٌ: الشَّهْوَةُ، وَالْغَضَبُ، وَالْهَوَى، فَالشَّهْوَةُ بَهِيمِيَّةٌ، وَالْغَضَبُ سَبُعِيَّةٌ، وَالْهَوَى شَيْطَانِيَّةٌ: فَالشَّهْوَةُ آفَةٌ لَكِنَّ الْغَضَبَ أَعْظَمُ مِنْهُ، وَالْغَضَبُ آفَةٌ لَكِنَّ الْهَوَى أَعْظَمُ مِنْهُ، فَقَوْلُهُ تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ الْمُرَادُ آثَارُ الشَّهْوَةِ، وَقَوْلُهُ: وَالْمُنْكَرِ الْمُرَادُ مِنْهُ آثار الغضب، وقوله: والبغي [العنكبوت: ٤٥] الْمُرَادُ مِنْهُ آثَارُ الْهَوْى فَبِالشَّهْوَةِ يَصِيرُ الْإِنْسَانُ ظَالِمًا لِنَفْسِهِ، وَبِالْغَضَبِ يَصِيرُ ظَالِمًا لِغَيْرِهِ، وَبِالْهَوَى يَتَعَدَّى ظُلْمُهُ إِلَى حَضْرَةِ جَلَالِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلِهَذَا

قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: الظُّلْمُ ثَلَاثَةٌ: فَظُلْمٌ لَا يُغْفَرُ، وَظُلْمٌ لَا يُتْرَكُ وَظُلْمٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتْرُكَهُ. فَالظُّلْمُ الَّذِي لَا يُغْفَرُ هُوَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالظُّلْمُ الَّذِي لَا يُتْرَكُ هُوَ ظُلْمُ الْعِبَادِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَالظُّلْمُ الَّذِي عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتْرُكَهُ هُوَ ظُلْمُ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ، فَمَنْشَأُ الظُّلْمِ الَّذِي لَا يُغْفَرُ هُوَ الْهَوَى. وَمَنْشَأُ الظُّلْمِ الَّذِي لَا يُتْرَكُ هُوَ الْغَضَبُ، وَمَنْشَأُ الظُّلْمِ الَّذِي عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتْرُكَهُ هُوَ الشَّهْوَةُ،

ثُمَّ لَهَا نَتَائِجُ، فَالْحِرْصُ وَالْبُخْلُ نَتِيجَةُ الشَّهْوَةِ، وَالْعُجْبُ وَالْكِبْرُ نَتِيجَةُ الْغَضَبِ، وَالْكُفْرُ وَالْبِدْعَةُ نَتِيجَةُ الْهَوَى، فَإِذَا اجْتَمَعَتْ هَذِهِ السِّتَّةُ فِي بَنِي آدَمَ تَوَلَّدَ مِنْهَا سَابِعٌ- وَهُوَ الْحَسَدُ- وَهُوَ نِهَايَةُ الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ. كَمَا أَنَّ الشَّيْطَانَ هُوَ النِّهَايَةُ فِي الْأَشْخَاصِ الْمَذْمُومَةِ، وَلِهَذَا السَّبَبِ خَتَمَ اللَّهُ مَجَامِعَ الشُّرُورِ الْإِنْسَانِيَّةِ بِالْحَسَدِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ [الْفَلَقِ: ٥] كَمَا خَتَمَ مَجَامِعَ الْخَبَائِثِ الشَّيْطَانِيَّةِ بِالْوَسْوَسَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ:

يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ، مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ [النَّاسِ: ٥، ٦] فَلَيْسَ فِي بَنِي آدَمَ أَشَرُّ مِنَ الْحَسَدِ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي الشَّيَاطِينِ أَشَرُّ مِنَ الْوِسْوَاسِ، بَلْ قِيلَ: الْحَاسِدُ أَشَرُّ مِنْ إِبْلِيسَ، لِأَنَّ إِبْلِيسَ

رُوِيَ أَنَّهُ أَتَى بَابَ فِرْعَوْنَ وَقَرَعَ الْبَابَ