للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٤٤ الى ٤٧]

وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٤٤) وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٤٥) وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٤٦) وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٤٧)

[في قَوْلُهُ تَعَالَى وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ إلى قوله فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ] اعْلَمْ أَنَّ فِي الْآيَةِ سُؤَالَاتٌ:

السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: الْجَانِبُ مَوْصُوفٌ، وَالْغَرْبِيُّ صِفَةٌ، فَكَيْفَ أَضَافَ الْمَوْصُوفَ إِلَى الصِّفَةِ؟ الْجَوَابُ: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ خِلَافِيَّةٌ بَيْنَ النَّحْوِيِّينَ، فَعِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ لَا يَجُوزُ إِضَافَةُ الْمَوْصُوفِ إِلَى الصِّفَةِ إِلَّا بِشَرْطٍ خَاصٍّ سَنَذْكُرُهُ، وَعِنْدَ الْكُوفِيِّينَ يَجُوزُ ذَلِكَ مُطْلَقًا حُجَّةُ الْبَصْرِيِّينَ، أَنَّ إِضَافَةَ الْمَوْصُوفِ إِلَى الصِّفَةِ تَقْتَضِي إِضَافَةَ الشَّيْءِ إِلَى نَفْسِهِ، وَهَذَا غَيْرُ جَائِزٍ فَذَاكَ أَيْضًا غَيْرُ جَائِزٍ، بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّكَ إِذَا قُلْتَ جَاءَنِي زَيْدٌ الظَّرِيفُ، فَلَفْظُ الظَّرِيفِ يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ مُعَيَّنٍ فِي نَفْسِهِ مَجْهُولٌ بِحَسْبَ هَذَا اللَّفْظِ حَصَلَتْ لَهُ الظَّرَافَةُ، فَإِذَا نَصَصْتَ عَلَى زَيْدٍ عَرَفْنَا أَنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ الَّذِي حَصَلَتْ لَهُ الظَّرَافَةُ هُوَ زَيْدٌ، إِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَلَوْ أَضَفْتَ زَيْدًا إِلَى الظَّرِيفِ، كُنْتَ قَدْ أَضَفْتَ زَيْدًا إِلَى زَيْدٍ، وَإِضَافَةُ الشَّيْءِ إِلَى نَفْسِهِ غَيْرُ جَائِزَةٍ، فَإِضَافَةُ الْمَوْصُوفِ إِلَى صِفَتِهِ وَجَبَ أَنْ لَا تَجُوزَ، إِلَّا أَنَّهُ جَاءَ عَلَى خِلَافِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَلْفَاظٌ، وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ: وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ وَقَوْلُهُ: وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [الْبَيِّنَةِ: ٥] وَقَوْلُهُ: حَقُّ الْيَقِينِ [الواقعة: ٩٥] وَلَدارُ الْآخِرَةِ [النحل: ٣٠] وَيُقَالُ صَلَاةُ الْأُولَى وَمَسْجِدُ الْجَامِعِ وَبَقْلَةُ الْحَمْقَاءِ، فَقَالُوا التَّأْوِيلُ فِيهِ جَانِبُ الْمَكَانِ الْغَرْبِيِّ وَدِينُ الْمِلَّةِ الْقَيِّمَةِ وَحَقُّ الشَّيْءِ الْيَقِينِ وَدَارُ السَّاعَةِ الْآخِرَةِ وَصَلَاةُ السَّاعَةِ الْأُولَى وَمَسْجِدُ الْمَكَانِ الْجَامِعِ وَبَقْلَةُ الْحَبَّةِ الْحَمْقَاءِ، ثُمَّ قَالُوا فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ: الْمُضَافُ إِلَيْهِ لَيْسَ هُوَ النَّعْتَ، بَلِ الْمَنْعُوتُ، إِلَّا أَنَّهُ حُذِفَ الْمَنْعُوتُ وَأُقِيمَ النَّعْتُ مَقَامَهُ فَهَهُنَا يُنْظَرُ إِنْ كَانَ ذَلِكَ النَّعْتُ كَالْمُتَعَيِّنِ لِذَلِكَ الْمَنْعُوتِ، حَسُنَ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لَكَ أَنْ تَقُولَ عِنْدِي جَيِّدٌ عَلَى مَعْنَى عِنْدِي دِرْهَمٌ جَيِّدٌ، وَيَجُوزُ مَرَرْتُ بِالْفَقِيهِ عَلَى مَعْنَى مَرَرْتُ بِالرَّجُلِ الْفَقِيهِ، لِأَنَّ الْفَقِيهَ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنَ النَّاسِ وَالْجَيِّدُ قَدْ يَكُونُ دِرْهَمًا وَقَدْ يَكُونُ غَيْرَهُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ حَسُنَ قَوْلُهُ جَانِبُ الْغَرْبِيِّ، لِأَنَّ الشَّيْءَ الْمَوْصُوفَ بِالْغَرْبِيِّ الَّذِي يُضَافُ إِلَيْهِ الْجَانِبُ لَا يَكُونُ إِلَّا مَكَانًا أَوْ مَا يُشْبِهُهُ، فَلَا جَرَمَ حَسُنَتْ هَذِهِ الْإِضَافَةُ، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْبَوَاقِي واللَّه أَعْلَمُ.

السُّؤَالُ الثَّانِي: مَا مَعْنَى قَوْلِهِ: إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ؟ الْجَوَابُ: الْجَانِبُ الْغَرْبِيُّ هُوَ الْمَكَانُ الْوَاقِعُ فِي شِقِّ الْغَرْبِ، وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ مِيقَاتُ مُوسَى عَلَيْهِ السلام من الطور، وكتب اللَّه [له] «١» فِي الْأَلْوَاحِ وَالْأَمْرُ الْمَقْضِيُّ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ الْوَحْيُ الَّذِي أُوحِيَ إِلَيْهِ، وَالْخِطَابُ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: وَمَا كُنْتَ حاضرا


(١) زيادة من الكشاف.

<<  <  ج: ص:  >  >>