أو الحياة أَوِ الرُّوحِ، وَقَوْلُهُ: وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ تَأْكِيدٌ لِبَيَانِ الْحَقِّ أَيْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ تَصِيرُ الْأُمُورُ مَرْئِيَّةً مُشَاهَدَةً يَنْظُرُ إِلَيْهَا كُلُّ مَنْ بَلَغَ إِلَى تِلْكَ الْحَالَةِ، فَإِنْ كَانَ مَا ذَكَرْتُمْ حَقًّا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا التَّحْقِيقَ فِي حِينَئِذٍ في قوله: يَوْمَئِذٍ [الطور: ١١] فِي سُورَةِ وَالطُّورِ وَاللَّفْظُ وَالْمَعْنَى مُتَطَابِقَانِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُكَذِّبُونَ بِالرُّسُلِ وَالْحَشْرِ، وَصَرَّحَ بِهِ اللَّه فِي هَذِهِ السُّورَةِ عَنْهُمْ حيث قال: إنهم كانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا [الواقعة: ٤٦، ٤٧] وَهَذَا كَالتَّصْرِيحِ بِالتَّكْذِيبِ لِأَنَّهُمْ مَا كَانُوا يُنْكِرُونَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى مُنْزِلٌ لَكِنَّهُمْ كَانُوا يَجْعَلُونَ أَيْضًا الْكَوَاكِبَ مِنَ الْمُنْزِلِينَ، وَأَمَّا الْمُضْمَرُ فَذَكَرَهُ اللَّه تَعَالَى عِنْدَ قَوْلِهِ: أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ [الواقعة: ٦٨] ثُمَّ قَالَ: أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ [الواقعة: ٦٩] بِالْوَاسِطَةِ وَبِالتَّفْوِيضِ عَلَى مَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُشْرِكِينَ أَوْ مَذْهَبُ الْفَلَاسِفَةِ. وَأَيْضًا التَّفْسِيرُ الْمَشْهُورُ مُحْتَاجٌ إِلَى إِضْمَارٍ تَقْدِيرُهُ أَتَجْعَلُونَ شُكْرَ رِزْقِكُمْ، وَأَمَّا جَعْلُ الرِّزْقِ بِمَعْنَى الْمَعَاشِ فَأَقْرَبُ، يُقَالُ: فُلَانٌ رِزْقُهُ فِي لِسَانِهِ، وَرِزْقُ فُلَانٍ فِي رِجْلِهِ وَيَدِهِ، وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ مُتَّصِلٌ بِمَا قَبْلَهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ الرُّسُلَ فَلِمَ لَا تُكَذِّبُونَهُمْ وَقْتَ النَّزْعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الْعَنْكَبُوتِ: ٦٣] فَعُلِمَ أَنَّهُمْ كَذَّبُوا كَمَا
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَذَبَ الْمُنَجِّمُونَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ»
وَلَمْ يَكْذِبُوا وَهَذَا عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ يَقْرَأُ تَكْذِبُونَ بِالتَّخْفِيفِ، وَأَمَّا الْمُدْهِنُ فَعَلَى مَا ذَكَرْنَا يَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ وَيُوَافِقُهُ: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ [الْقَلَمِ: ٩] فَإِنَّ الْمُرَادَ هُنَاكَ لَيْسَ تَكْذِبُ فَيَكْذِبُونَ، لأنهم أرادوا النفاق لا التكذيب الظاهر. / ثم قال تعالى:
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٨٦ الى ٨٧]
فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (٨٦) تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٨٧)
وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: أَكْثَرُ المفسرين على أن (لولا) فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ مُكَرَّرَةٌ وَهِيَ بِعَيْنِهَا هِيَ الَّتِي قَالَ تَعَالَى:
فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ [الواقعة: ٨٣] وَلَهَا جَوَابٌ وَاحِدٌ، وَتَقْدِيرُهُ عَلَى مَا قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَلَوْلَا تَرْجِعُونَهَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ، أَيْ إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ [الْبَقَرَةِ: ٣٨] حَيْثُ جَعَلَ فَلا خَوْفٌ جَزَاءَ شَرْطَيْنِ، وَالظَّاهِرُ خِلَافُ مَا قَالُوا، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: جَوَابُ لَوْلَا فِي قَوْلِهِ: فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ هُوَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا سَبَقَ يَعْنِي تُكَذِّبُونَ مُدَّةَ حَيَاتِكُمْ جَاعِلِينَ التَّكْذِيبَ رِزْقَكُمْ وَمَعَاشَكُمْ فَلَوْلَا تُكَذِّبُونَ وَقْتَ النَّزْعِ وَأَنْتُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ تَعْلَمُونَ الْأُمُورَ وَتُشَاهِدُونَهَا، وَأَمَّا لَوْلَا فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ فَجَوَابُهَا: تَرْجِعُونَها.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي مَدِينِينَ أَقْوَالٌ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْمُرَادُ مَمْلُوكِينَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: مَجْزِيِّينَ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مِنْ دَانَهُ السُّلْطَانُ إِذَا سَاسَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ غَيْرُ مُقِيمِينَ مِنْ مَدَنَ إِذَا أَقَامَ، هُوَ حِينَئِذٍ فَعَيْلٌ، وَمِنْهُ الْمَدِينَةُ، وَجَمْعُهَا مَدَائِنُ، مِنْ غَيْرِ إِظْهَارِ الْيَاءِ، وَلَوْ كَانَتْ مَفْعَلَةً لَكَانَ جَمْعُهَا مَدَايِنَ كَمَعَايِشَ بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ، وَوَجْهُهُ أَنْ يُقَالَ: كَانَ قَوْمٌ يُنْكِرُونَ الْعَذَابَ الدَّائِمَ، وَقَوْمٌ يُنْكِرُونَ الْعَذَابَ وَمَنِ اعْتَرَفَ بِهِ كَانَ يُنْكِرُ دَوَامَهُ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً [الْبَقَرَةِ: ٨٠] قِيلَ: إِنْ كُنْتُمْ عَلَى مَا تَقُولُونَ لَا تَبْقَوْنَ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute