للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْنَا هُوَ مَفْعُولٌ بِهِ، لِأَنَّ جَمَاعَةً يَكُونُونَ مَأْمُورِينَ تَنْقَسِمُ أَمْرًا وَاحِدًا، أَوْ نَقُولُ هُوَ فِي تَقْدِيرِ التَّكْرِيرِ كَأَنَّهُ قَالَ:

فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا وِقْرًا، وَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا أَمْرًا.

الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: مَا فَائِدَةُ الْفَاءِ؟ نَقُولُ إِنْ قُلْنَا إِنَّهَا صِفَاتُ الرِّيَاحِ فَلِبَيَانِ تَرْتِيبِ الْأُمُورِ فِي الْوُجُودِ، فَإِنَّ الذاريات تنشئ السحاب فتقسم الأمطار على الأمطار، وَإِنْ قُلْنَا إِنَّهَا أُمُورٌ أَرْبَعَةٌ فَالْفَاءُ لِلتَّرْتِيبِ فِي الْقَسَمِ لَا لِلتَّرْتِيبِ فِي الْمُقْسَمِ بِهِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: أُقْسِمُ بِالرِّيَاحِ الذَّارِيَاتِ ثُمَّ بِالسُّحُبِ الْحَامِلَاتِ ثُمَّ بِالسُّفُنِ الْجَارِيَاتِ ثُمَّ بِالْمَلَائِكَةِ الْمُقَسِّمَاتِ، وَقَوْلُهُ فَالْحامِلاتِ وَقَوْلُهُ فَالْجارِياتِ إِشَارَةٌ إِلَى بَيَانِ مَا فِي الرِّيَاحِ مِنَ الْفَوَائِدِ، أَمَّا فِي الْبَرِّ فَإِنْشَاءُ السُّحُبِ، وَأَمَّا فِي الْبَحْرِ فَإِجْرَاءُ السُّفُنِ، ثُمَّ الْمُقَسِّمَاتُ إِشَارَةٌ إِلَى مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى حَمْلِ السُّحُبِ وَجَرْيِ السُّفُنِ مِنَ الْأَرْزَاقِ، والأرياح الَّتِي تَكُونُ بِقِسْمَةِ اللَّه تَعَالَى فَتَجْرِي سُفُنُ بَعْضِ النَّاسِ كَمَا يَشْتَهِي وَلَا تَرْبَحُ وَبَعْضُهُمْ تَرْبَحُ وَهُوَ غَافِلٌ عَنْهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ [الزخرف: ٣٢] . ثم قال تعالى:

[[سورة الذاريات (٥١) : آية ٥]]

إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ (٥)

(مَا) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مصدرية معناه الإيعاد صادق و (إن) تَكُونَ مَوْصُولَةً أَيِ الَّذِي تُوعَدُونَ صَادِقٌ، وَالصَّادِقُ مَعْنَاهُ ذُو صِدْقٍ كَعِيشَةٍ رَاضِيَةٍ وَوَصْفُ الْمَصْدَرِ بِمَا يُوصَفُ بِهِ الْفَاعِلُ بِالْمَصْدَرِ فِيهِ إِفَادَةُ مُبَالَغَةٍ، فَكَمَا أَنَّ مَنْ قَالَ فُلَانٌ لُطْفٌ مَحْضٌ وَحِلْمٌ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَدْ بَالَغَ كَذَلِكَ مَنْ قَالَ كَلَامٌ صَادِقٌ وَبُرْهَانٌ قَاهِرٌ لِلْخَصْمِ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ يَكُونُ قَدْ بَالَغَ، وَالْوَجْهُ فِيهِ هُوَ أَنَّهُ إِذَا قَالَ هُوَ لُطْفٌ بَدَلَ قَوْلِهِ لِطَيْفٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ اللَّطِيفُ شَيْءٌ لَهُ لُطْفٌ فَفِي اللَّطِيفِ لُطْفٌ وَشَيْءٌ آخَرُ، فَأَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ كَثْرَةَ اللُّطْفِ فَجَعَلَهُ كُلَّهُ لُطْفًا، وَفِي الثَّانِي لَمَّا كَانَ/ الصِّدْقُ يَقُومُ بِالْمُتَكَلِّمِ بِسَبَبِ كَلَامِهِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ هَذَا الْكَلَامَ لَا يَحُوجُ إِلَى شَيْءٍ آخَرَ حَتَّى يَصِحَّ إِطْلَاقُ الصَّادِقِ عَلَيْهِ، بَلْ هُوَ كَافٍ فِي إِطْلَاقِ الصَّادِقِ لِكَوْنِهِ سَبَبًا قَوِيًّا وَقَوْلُهُ تَعَالَى: تُوعَدُونَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَعَدَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَوْعَدَ، وَالثَّانِي هُوَ الْحَقُّ لِأَنَّ الْيَمِينَ مَعَ الْمُنْكَرِ بِوَعِيدٍ لَا بوعد. وقوله تعالى:

[[سورة الذاريات (٥١) : آية ٦]]

وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ (٦)

أَيِ الْجَزَاءُ كَائِنٌ، وَعَلَى هذا فالإبعاد بِالْحَشْرِ فِي الْمَوْعِدِ هُوَ الْحِسَابُ وَالْجَزَاءُ هُوَ الْعِقَابُ، فَكَأَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ بِقَوْلِهِ إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ أَنَّ الْحِسَابَ يُسْتَوْفَى والعقاب يوفى ثم قال تعالى:

[سورة الذاريات (٥١) : الآيات ٧ الى ٨]

وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ (٧) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (٨)

وَفِي تَفْسِيرِهِ مَبَاحِثُ:

الْأَوَّلُ: وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ قِيلَ الطَّرَائِقُ، وَعَلَى هَذَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ طَرَائِقَ الْكَوَاكِبِ وَمَمَرَّاتِهَا كَمَا يُقَالُ فِي الْمَحَابِكِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَا فِي السَّمَاءِ مِنَ الْأَشْكَالِ بِسَبَبِ النُّجُومِ، فَإِنَّ فِي سَمْتِ كَوَاكِبَهَا طَرِيقَ التِّنِّينِ وَالْعَقْرَبِ وَالنَّسْرِ الَّذِي يَقُولُ بِهِ أَصْحَابُ الصُّوَرِ وَمِنْطَقَةَ الْجَوْزَاءِ وَغَيْرَ ذَلِكَ كَالطَّرَائِقِ، وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ بِهِ السَّمَاءُ الْمُزَيَّنَةُ بِزِينَةِ الْكَوَاكِبِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ

<<  <  ج: ص:  >  >>