للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلِيمٌ

وَهُوَ تَحْذِيرٌ مِنَ الْمَعَاصِي وَتَرْغِيبٌ فِي الطاعات.

[[سورة المجادلة (٥٨) : آية ٨]]

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٨)

[فِي قَوْلِهِ تَعَالَى أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ] ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ حَالَ أُولَئِكَ الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى فَقَالَ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ/ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُمْ مَنْ هُمْ؟ فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: هُمُ الْيَهُودُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُمُ الْمُنَافِقُونَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: فَرِيقٌ مِنَ الْكُفَّارِ، وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ، لِأَنَّهُ تَعَالَى حَكَى عَنْهُمْ فقال: وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ، وَهَذَا الْجِنْسُ فِيمَا رُوِيَ وَقَعَ مِنَ الْيَهُودِ، فَقَدْ كَانُوا إِذَا سَلَّمُوا عَلَى الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ، يَعْنُونَ الْمَوْتَ، وَالْأَخْبَارُ فِي ذلك متظاهرة، وقصة عائشة فيها مشهورة.

[في قوله تعالى وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ إلى قوله لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ] ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: إِنَّهُ صَحَّ أَنَّ أُولَئِكَ الْأَقْوَامَ كَانُوا يَتَنَاجَوْنَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَيُوهِمُونَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُمْ يَتَنَاجَوْنَ فِيمَا يَسُوءُهُمْ، فَيَحْزَنُونَ لِذَلِكَ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا ذَلِكَ شَكَا الْمُسْلِمُونَ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَتَنَاجَوْا دُونَ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمْ يَنْتَهُوا عَنْ ذَلِكَ وَعَادُوا إِلَى مُنَاجَاتِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، وَقَوْلُهُ:

وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْإِثْمَ وَالْعُدْوَانَ هُوَ مُخَالَفَتُهُمْ لِلرُّسُلِ فِي النَّهْيِ عَنِ النَّجْوَى لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى الْمَنْهِيِّ يُوجِبُ الْإِثْمَ وَالْعُدْوَانَ، سِيَّمَا إِذَا كَانَ ذَلِكَ الْإِقْدَامُ لِأَجْلِ الْمُنَاصَبَةِ وَإِظْهَارِ التَّمَرُّدِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْإِثْمَ وَالْعُدْوَانَ هُوَ ذَلِكَ السِّرُّ الَّذِي كَانَ يَجْرِي بَيْنَهُمْ، لِأَنَّهُ إِمَّا مَكْرٌ وَكَيْدٌ بِالْمُسْلِمِينَ أَوْ شَيْءٌ يسوءهم.

المسألة الثانية: قرأ حمزة وحده، (ويتنجون) بِغَيْرِ أَلِفٍ، وَالْبَاقُونَ: يَتَناجَوْنَ، قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: يَنْتَجُونَ يَفْتَعِلُونَ مِنَ النَّجْوَى، وَالنَّجْوَى مَصْدَرٌ كَالدَّعْوَى وَالْعَدْوَى، فَيَنْتَجُونَ وَيَتَنَاجَوْنَ وَاحِدٌ، فَإِنَّ يَفْتَعِلُونَ، وَيَتَفَاعَلُونَ، قد يجريان مجرى واحد، كَمَا يُقَالُ: ازْدَوِجُوا، وَاعْتَوِرُوا، وَتَزَاوَجُوا وَتَعَاوَرُوا، وَقَوْلِهِ تَعَالَى:

حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها [الْأَعْرَافِ: ٣٨] وَادَّرَكُوا فأدركوا افتعلوا، وأدركوا تفاعلوا وحجة من قرأ:

يَتَناجَوْنَ، قوله: إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ [المجادلة: ١٢] وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى [المجادلة: ٩] فَهَذَا مُطَاوِعُ نَاجَيْتُمْ، وَلَيْسَ فِي هَذَا رَدٌّ لِقِرَاءَةِ حَمْزَةَ: يَنْتَجُونَ، لِأَنَّ هَذَا مِثْلُهُ فِي الْجَوَازِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ قَالَ صَاحِبُ «الكشاف» : قرئ (ومعصيات الرسول) ، والقولان هاهنا كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَقَوْلُهُ: وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ يَعْنِي أَنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي تَحِيَّتِكَ، السَّامُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ وَالسَّامُ الْمَوْتُ، واللَّه تَعَالَى يَقُولُ: وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى [النمل: ٥٩] ويا أَيُّهَا الرَّسُولُ ويا أَيُّهَا النَّبِيُّ ثم ذكر تعالى أنهم يَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ يَعْنِي أَنَّهُمْ/ يَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ: إِنَّهُ لَوْ كَانَ رَسُولًا فَلِمَ لَا يُعَذِّبُنَا اللَّه بِهَذَا الاستخفاف.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ وَالْمَعْنَى أَنَّ تَقَدُّمَ الْعَذَابِ إِنَّمَا يَكُونُ بحسب

<<  <  ج: ص:  >  >>