أَنَّهُمْ مَلْعُونُونَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْأَنْبِيَاءِ. وَقِيلَ: إِنَّ دَاوُدَ وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ بَشَّرَا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَعَنَا مَنْ يُكَذِّبُهُ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَصَمِّ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ وَالْمَعْنَى أَنَّ ذَلِكَ اللَّعْنَ كَانَ بِسَبَبِ أَنَّهُمْ يَعْصُونَ وَيُبَالِغُونَ فِي ذَلِكَ العصيان.
[[سورة المائدة (٥) : آية ٧٩]]
كانُوا لَا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (٧٩)
ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى فَسَّرَ الْمَعْصِيَةَ وَالِاعْتِدَاءَ بِقَوْلِهِ كانُوا لَا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ وَلِلتَّنَاهِي هاهنا مَعْنَيَانِ: أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ تَفَاعُلٌ مِنَ النَّهْيِ، أَيْ كَانُوا لَا يَنْهَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا،
رَوَى ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ رَضِيَ عَمَلَ قَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ وَمَنْ كَثَّرَ سَوَادَ قَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» .
وَالْمَعْنَى الثَّانِي فِي التَّنَاهِي: أَنَّهُ بِمَعْنَى الِانْتِهَاءِ. يُقَالُ: انْتَهَى عَنِ الْأَمْرِ، وَتَنَاهَى عَنْهُ إِذَا كَفَّ عَنْهُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: لَبِئْسَ مَا كانُوا يَفْعَلُونَ اللَّامُ فِي لَبِئْسَ لَامُ الْقَسَمِ، كَأَنَّهُ قَالَ: أُقْسِمُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ، وَهُوَ ارْتِكَابُ الْمَعَاصِي وَالْعُدْوَانُ، وَتَرْكُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ.
فَإِنْ قِيلَ: الِانْتِهَاءُ عَنِ الشَّيْءِ بَعْدَ أَنْ صَارَ مَفْعُولًا غَيْرُ مُمْكِنٍ فَلِمَ ذَمَّهُمْ عَلَيْهِ؟
قُلْنَا: الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ يَكُونَ الْمُرَادُ لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُعَاوَدَةِ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ الثَّانِي: لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ أَرَادُوا فِعْلَهُ وَأَحْضَرُوا آلَاتِهِ وَأَدَوَاتِهِ. الثَّالِثُ: لَا يَتَنَاهَوْنَ عن الإصرار على منكر فعلوه.
[[سورة المائدة (٥) : آية ٨٠]]
تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ (٨٠)
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا.
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا وَصَفَ أَسْلَافَهُمْ بِمَا تَقَدَّمَ وَصَفَ الْحَاضِرِينَ مِنْهُمْ بِأَنَّهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الْكُفَّارَ وَعَبَدَةَ الْأَوْثَانِ، وَالْمُرَادُ مِنْهُمْ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ وَأَصْحَابُهُ حِينَ اسْتَجَاشُوا الْمُشْرِكِينَ عَلَى الرسول صلى اللَّه عليه وسلم، وذكرنا ذلك فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا [النِّسَاءِ: ٥١] .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَيْ بِئْسَ مَا قَدَّمُوا مِنَ الْعَمَلِ لِمَعَادِهِمْ فِي دَارِ الْآخِرَةِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ مَحَلُّ أَنْ رفع كما تَقُولُ: بِئْسَ رَجُلًا زَيْدٌ، وَرَفْعُهُ كَرَفْعِ زَيْدٍ، وَفِي زَيْدٍ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً، وَيَكُونُ (بِئْسَ) وَمَا عَمِلَتْ فِيهِ خَبَرَهُ، وَالثَّانِي:
أَنْ يَكُونَ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، كَأَنَّهُ لَمَّا قال: بئس رجلا قتل: مَا هُوَ؟ فَقَالَ: زَيْدٌ، أَيْ هُوَ زَيْدٌ.
[[سورة المائدة (٥) : آية ٨١]]
وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٨١)