للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِلَى الْأُمَمِ الَّذِينَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ بِإِهْلَاكِهِمْ وَقَوْلُهُ: بِآياتِنا فِيهِ مَبَاحِثُ.

الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ آيَةٍ وَمُعْجِزَةٍ بِهَا يَمْتَازُ عَنْ غَيْرِهِ، إِذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُخْتَصًّا بِهَذِهِ الْآيَةِ لم يكن قبول قول أَوْلَى مِنْ قَبُولِ قَوْلِ غَيْرِهِ.

وَالْبَحْثُ الثَّانِي: هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى آتَاهُ آيَاتٍ كَثِيرَةً وَمُعْجِزَاتٍ كَثِيرَةً.

وَالْبَحْثُ الثَّالِثُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَوَّلُ آيَاتِهِ الْعَصَا ثُمَّ الْيَدُ ضَرَبَ بِالْعَصَا بَابَ فِرْعَوْنَ فَفَزِعَ مِنْهَا فَشَابَ رَأْسُهُ فَاسْتَحْيَا فَخَضَّبَ بِالسَّوَادِ فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ خَضَّبَ. قَالَ: وَآخِرُ الْآيَاتِ الطَّمْسُ. قَالَ:

وَلِلْعَصَا فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا مَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ: هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى [طه: ١٨] وَذَكَرَ اللَّهُ مِنْ تِلْكَ الْمَآرِبِ فِي الْقُرْآنِ قَوْلَهُ: اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً [الْبَقَرَةِ: ٦٠] وَذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَشْيَاءَ أُخْرَى مِنْهَا: أَنَّهُ كَانَ يَضْرِبُ الْأَرْضَ بِهَا فَتَنْبُتُ وَمِنْهَا: أَنَّهُ كَانَتْ تُحَارِبُ اللُّصُوصَ وَالسِّبَاعَ الَّتِي كَانَتْ تَقْصِدُ غَنَمَهُ وَمِنْهَا: أَنَّهَا كَانَتْ تَشْتَعِلُ فِي اللَّيْلِ كَاشْتِعَالِ الشَّمْعَةِ وَمِنْهَا: أَنَّهَا كَانَتْ تَصِيرُ كَالْحَبْلِ الطَّوِيلِ فَيَنْزَحُ بِهِ الْمَاءَ مِنَ الْبِئْرِ الْعَمِيقَةِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْفَوَائِدَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْقُرْآنِ مَعْلُومَةٌ فَأَمَّا الْأُمُورُ الَّتِي هِيَ غَيْرُ مَذْكُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ/ فَكُلُّ مَا وَرَدَ بِهِ خَبَرٌ صَحِيحٌ فَهُوَ مَقْبُولٌ وَمَا لَا فَلَا وَقَوْلُهُ إِنَّهُ كَانَ يَضْرِبُ بِهَا الْأَرْضَ فَتُخْرِجُ النَّبَاتَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْقُرْآنَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَفْزَعُ إِلَى الْعَصَا فِي الْمَاءِ الْخَارِجِ مِنَ الْحَجَرِ وَمَا كَانَ يَفْزَعُ إِلَيْهَا فِي طَلَبِ الطَّعَامِ.

أَمَّا قَوْلُهُ: فَظَلَمُوا بِها أَيْ فَظَلَمُوا بِالْآيَاتِ الَّتِي جَاءَتْهُمْ لِأَنَّ الظُّلْمَ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَلَمَّا كَانَتْ تِلْكَ الْآيَاتُ قَاهِرَةً ظَاهِرَةً ثُمَّ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِهَا فَوَضَعُوا الْإِنْكَارَ فِي مَوْضِعِ الْإِقْرَارِ وَالْكُفْرَ فِي مَوْضِعِ الْإِيمَانِ كَانَ ذَلِكَ ظُلْمًا مِنْهُمْ عَلَى تِلْكَ الْآيَاتِ.

ثُمَّ قَالَ: فَانْظُرْ أَيْ بِعَيْنِ عَقْلِكَ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ وَكَيْفَ فَعَلْنَا بهم.

[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٠٤ الى ١٠٦]

وَقالَ مُوسى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠٤) حَقِيقٌ عَلى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ (١٠٥) قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٠٦)

فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّهُ كَانَ يُقَالُ لِمُلُوكِ مِصْرَ: الْفَرَاعِنَةُ كَمَا يُقَالُ لِمُلُوكِ فَارِسَ: الْأَكَاسِرَةُ فَكَأَنَّهُ قَالَ: يَا مَلِكَ مِصْرَ وَكَانَ اسْمُهُ قَايُوسَ وَقِيلَ: الْوَلِيدُ بْنُ مُصْعَبِ بْنِ الرَّيَّانِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ الْإِلَهِ تَعَالَى فَإِنَّ قَوْلَهُ: رَبِّ الْعالَمِينَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَالَمَ مَوْصُوفٌ بِصِفَاتٍ لِأَجْلِهَا افْتَقَرَ إِلَى رَبٍّ يُرَبِّيهِ وَإِلَهٍ يُوجِدُهُ وَيَخْلُقُهُ.

ثُمَّ قَالَ: حَقِيقٌ عَلى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَالْمَعْنَى أَنَّ الرَّسُولَ لَا يَقُولُ إِلَّا الْحَقَّ، فَصَارَ نَظْمُ الْكَلَامِ كَأَنَّهُ قَالَ: أَنَا رَسُولُ اللَّهِ وَرَسُولُ اللَّهِ لَا يَقُولُ إِلَّا الْحَقَّ يَنْتِجُ أَنِّي لَا أَقُولُ إِلَّا الْحَقَّ وَلَمَّا كَانَتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>