للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْحُجَّةِ إِلَى حَيْثُ صَارَ الْمُبْطِلُ كَالْمَبْهُوتِ عِنْدَ سَمَاعِهِ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا لَمْ يُقَدِّرْ لَهُ الِاهْتِدَاءَ لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ الدَّلِيلُ الظَّاهِرُ، وَنَظِيرُ هَذَا التَّفْسِيرِ قَوْلُهُ وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ [الْأَنْعَامِ: ١١١] .

الْقِصَّةُ الثَّانِيَةُ

وَالْمَقْصُودُ مِنْهَا إِثْبَاتُ الْمَعَادِ، قَوْلُهُ تَعَالَى: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اخْتَلَفَ النَّحْوِيُّونَ فِي إِدْخَالِ الْكَافِ فِي قَوْلِهِ أَوْ كَالَّذِي وَذَكَرُوا فِيهِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ الْأَوَّلُ:

أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ [البقرة: ٢٥٨] فِي مَعْنَى (أَلَمْ تَرَ كَالَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ) وَتَكُونُ هَذِهِ الْآيَةُ مَعْطُوفَةً عَلَيْهِ، وَالتَّقْدِيرُ: أَرَأَيْتَ كَالَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ، أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ، فَيَكُونُ هَذَا عَطْفًا عَلَى الْمَعْنَى، وَهُوَ قَوْلُ الْكِسَائِيِّ وَالْفَرَّاءِ وَأَبِي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ، وَأَكْثَرِ النَّحْوِيِّينَ قَالُوا: وَنَظِيرُهُ مِنَ الْقُرْآنِ قَوْلُهُ تَعَالَى:

قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ [الْمُؤْمِنُونَ: ٨٤، ٨٥] ثُمَّ قَالَ: مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ [الْمُؤْمِنُونَ: ٨٥، ٨٦] فَهَذَا عَطْفٌ عَلَى الْمَعْنَى لِأَنَّ معناه: لمن السموات؟ فَقِيلَ لِلَّهِ. قَالَ الشَّاعِرُ:

مُعَاوِيَ إِنَّنَا بَشَرٌ فَأَسْجِحْ ... فَلَسْنَا بِالْجِبَالِ وَلَا الْحَدِيدَا

فَحُمِلَ عَلَى الْمَعْنَى وَتَرْكِ اللَّفْظِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ اخْتِيَارُ الْأَخْفَشِ: أَنَّ الْكَافَ زَائِدَةٌ، وَالتَّقْدِيرُ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ وَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ.

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُبَرِّدِ: أَنَّا نُضْمِرُ فِي الْآيَةِ زِيَادَةً، وَالتَّقْدِيرُ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ، وَأَلَمْ تَرَ إِلَى مَنْ كَانَ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اخْتَلَفُوا فِي الَّذِي مَرَّ بِالْقَرْيَةِ، فَقَالَ قَوْمٌ: كَانَ رَجُلًا كَافِرًا شَاكًّا فِي الْبَعْثِ/ وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَأَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ، وَقَالَ الْبَاقُونَ: إِنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا، ثُمَّ قَالَ قَتَادَةُ وَعِكْرِمَةُ وَالضَّحَاكُ وَالسُّدِّيُّ:

هُوَ عُزَيْرٌ، وَقَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُوَ أَرْمِيَاءُ، ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ قَالَ: إِنَّ أَرْمِيَاءَ هُوَ الْخَضِرُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ سِبْطِ هَارُونَ بْنِ عِمْرَانَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: إِنَّ أرمياء هو النبي الذي بعثه الله عند ما خَرَّبَ بُخْتَنَصَّرُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَأَحْرَقَ التَّوْرَاةَ، حُجَّةُ مَنْ قَالَ: إِنَّ هَذَا الْمَارَّ كَانَ كَافِرًا وُجُوهٌ الْأَوَّلُ: أَنَّ اللَّهَ حَكَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها وَهَذَا كَلَامُ مَنْ يَسْتَبْعِدُ مِنَ اللَّهِ الْإِحْيَاءَ بَعْدَ الْإِمَاتَةِ وَذَلِكَ كُفْرٌ.

فَإِنْ قِيلَ: يَجُوزُ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ مِنْهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ.

قُلْنَا: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ مِنَ اللَّهِ تعالى أن يعجب رسوله منه إذا الصَّبِيُّ لَا يُتَعَجَّبُ مِنْ شَكِّهِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَهَذِهِ الْحُجَّةُ ضَعِيفَةٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّ ذَلِكَ الِاسْتِبْعَادَ مَا كَانَ بِسَبَبِ الشَّكِّ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ، بَلْ