للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَكُونُ يَوْمَ كَانَ عَمْرٌو وَالِيًا مَنْصُوبًا بِقَوْلِهِ اذْكُرْ لِأَنَّ غَرَضَ الْقَائِلِ التَّذْكِيرُ بِحَالِ زَيْدٍ وَمَذَلَّتِهِ وَذَلِكَ يَوْمَ الضَّرْبِ، لَكِنْ يَوْمَ كَانَ عَمْرٌو مَنْصُوبٌ بِقَوْلِهِ ضَرَبَهُ عَمْرٌو يَوْمَ كَانَ واليا، فكذلك هاهنا قال: وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ لِئَلَّا تَكُونَ مِمَّنْ يَفْزَعُ وَيُصْعَقُ، ثُمَّ بَيَّنَ هذا النداء بقوله يُنادِ الْمُنادِ يَوْمَ يَسْمَعُونَ أَيْ لَا يَكُونُ نِدَاءً خَفِيًّا بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُهُ بَعْضُ النَّاسِ بَلْ يَكُونُ نِدَاؤُهُ بِحَيْثُ تَكُونُ نِسْبَتُهُ إِلَى مَنْ فِي أَقْصَى الْمَغْرِبِ كَنِسْبَتِهِ إِلَى مَنْ فِي الْمَشْرِقِ، وَكُلُّكُمْ تَسْمَعُونَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الصَّوْتِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ مُتَهَيِّئًا لِاسْتِمَاعِهِ، وَذَلِكَ يَشْغَلُ النَّفْسَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَذِكْرِهِ وَالتَّفَكُّرِ فِيهِ فَظَهَرَ فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ مِنْ قَوْلِهِ فَاصْبِرْ، وسَبِّحْ، واسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ، ويَوْمَ يَسْمَعُونَ وَاللَّامُ فِي الصَّيْحَةِ لِلتَّعْرِيفِ، وَقَدْ عُرِفَ حَالُهَا وَذَكَرَهَا اللَّهُ مِرَارًا كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:

إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً [يس: ٢٩] وَقَوْلِهِ فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ [الصَّافَّاتِ: ١٩] وَقَوْلِهِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ [الْحَاقَّةِ: ١٣] وَقَوْلُهُ بِالْحَقِّ جَازَ أَنَّ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِالصَّيْحَةِ أَيِ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ يَسْمَعُونَهَا، وَعَلَى هَذَا فَفِيهِ وُجُوهٌ:

الْأَوَّلُ: الْحَقُّ الْحَشْرُ أَيِ الصَّيْحَةُ بِالْحَشْرِ وَهُوَ حَقٌّ يَسْمَعُونَهَا يقال صاح زيد بياقوم اجتمعوا عل حَدِّ اسْتِعْمَالِ تَكَلُّمٍ بِهَذَا الْكَلَامِ وَتَقْدِيرُهُ حِينَئِذٍ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِيَا عِظَامُ اجْتَمِعِي وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْحَقِّ الثَّانِي: الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ أَيْ بِالْيَقِينِ وَالْحَقُّ هو اليقين، يقل صَاحَ فُلَانٌ بِيَقِينٍ لَا بِظَنٍّ وَتَخْمِينٍ أَيْ وُجِدَ مِنْهُ الصِّيَاحُ يَقِينًا لَا كَالصَّدَى وَغَيْرِهِ وَهُوَ يَجْرِي مَجْرَى الصِّفَةِ لِلصَّيْحَةِ، يُقَالُ اسْتَمَعَ سَمَاعًا بِطَلَبٍ، وَصَاحَ صَيْحَةً بِقُوَّةٍ أَيْ قَوِيَّةٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ الصَّيْحَةُ الْمُحَقَّقَةُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ الصَّيْحَةَ الْمُقْتَرِنَةَ بِالْحَقِّ وَهُوَ الْوُجُودُ، يُقَالُ كُنْ فَيَتَحَقَّقُ وَيَكُونُ، وَيُقَالُ اذْهَبْ بِالسَّلَامَةِ وَارْجِعْ بِالسَّعَادَةِ أَيْ مَقْرُونًا وَمَصْحُوبًا، فَإِنْ قِيلَ زِدْ بَيَانًا فَإِنَّ الْبَاءَ فِي الْحَقِيقَةِ لِلْإِلْصَاقِ فَكَيْفَ يُفْهَمُ مَعْنَى الْإِلْصَاقِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ؟ نَقُولُ التَّعْدِيَةُ قَدْ تَتَحَقَّقُ بِالْبَاءِ يُقَالُ ذَهَبَ بِزَيْدٍ عَلَى مَعْنَى أَلْصَقَ الذَّهَابَ بِزَيْدٍ فَوُجِدَ قَائِمًا بِهِ فَصَارَ مَفْعُولًا، فَعَلَى قَوْلِنَا الْمُرَادُ يَسْمَعُونَ صَيْحَةَ مَنْ صَاحَ بِيَا عِظَامُ اجْتَمِعِي هُوَ تَعْدِيَةُ الْمَصْدَرِ بِالْبَاءِ يُقَالُ أَعْجَبَنِي ذَهَابُ زَيْدٍ بِعَمْرٍوِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ أَيِ ارْفَعِ الصَّوْتَ عَلَى الْحَقِّ وَهُوَ الْحَشْرُ، وَلَهُ مَوْعِدٌ نُبَيِّنُهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ يَسْمَعُونَ أَيْ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ وَفِيهِ وَجْهَانِ الْأَوَّلُ: هُوَ قَوْلُ الْقَائِلِ سَمِعْتُهُ بِيَقِينٍ الثَّانِي: الْبَاءُ فِي يَسْمَعُونَ بِالْحَقِّ قَسَمٌ أَيْ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِاللَّهِ الْحَقِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَقَوْلُهُ تعالى: ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا:

ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى يَوْمٍ أي ذلك اليوم يوم الخروج ذلك إشارة إلى نداء المنادي. ثم قال تعالى:

[[سورة ق (٥٠) : آية ٤٣]]

إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (٤٣)

قَدْ ذَكَرْنَا فِي سُورَةِ يس مَا يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ إِنَّا نَحْنُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ نُحْيِي وَنُمِيتُ فَالْمُرَادُ مِنَ الْإِحْيَاءِ الْإِحْيَاءُ أَوَّلًا وَنُمِيتُ إِشَارَةٌ إِلَى الْمَوْتَةِ الْأُولَى وَقَوْلُهُ وَإِلَيْنَا بَيَانٌ لِلْحَشْرِ فَقَدَّمَ إِنَّا نَحْنُ لِتَعْرِيفِ عَظَمَتِهِ يَقُولُ الْقَائِلُ أَنَا أنا أي مشهور ونُحْيِي وَنُمِيتُ أُمُورٌ مُؤَكِّدَةٌ مَعْنَى الْعَظَمَةِ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ بيان للمقصود.

[[سورة ق (٥٠) : آية ٤٤]]

يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ (٤٤)

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً الْعَامِلُ فِيهِ هُوَ مَا فِي قَوْلِهِ يَوْمُ الْخُرُوجِ [ق: ٤٢] مِنَ الْفِعْلِ أَيْ يَخْرُجُونَ يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا وَقَوْلَهُ سِراعاً حَالٌ لِلْخَارِجِينَ لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: عَنْهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>