للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَكُونُ غَيْرَ الْمَصْدَرِ كَمَا فِي ضَرَبْتُهُ سَوْطًا ضَرْبًا، لَا يُقَالُ: ضَرْبًا سَوْطًا بَيْنَ أَحَدِ أَنْوَاعِ الضَّرْبِ، لِأَنَّ الضَّرْبَ قَدْ يَكُونُ بِسَوْطٍ وَقَدْ يَكُونُ بِغَيْرِهِ، وَأَمَّا: بُكْرَةً فَلَا يُبَيِّنُ ذَلِكَ، لِأَنَّا نَقُولُ: قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ بُكْرَةً بَيْنَ ذَلِكَ، لِأَنَّ الصُّبْحَ قَدْ يَكُونُ بِالْإِتْيَانِ وَقْتَ الْإِسْفَارِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْإِتْيَانِ بِالْأَبْكَارِ، فَإِنْ قِيلَ: مِثْلُهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: فِي/ أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا قُلْنَا: نَعَمْ، فَإِنْ قِيلَ: لَيْسَ هُنَاكَ بَيَانُ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْإِسْرَاءِ، نَقُولُ: هُوَ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: ضَرَبْتُهُ شَيْئًا، فَإِنَّ شَيْئًا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي كُلِّ ضَرْبٍ، وَيَصِحُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ، وَفَائِدَتُهُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ بَيَانِ عَدَمِ تَعَلُّقِ الْغَرَضِ بِأَنْوَاعِهِ، وَكَأَنَّ الْقَائِلَ يَقُولُ: إِنِّي لَا أُبَيِّنُ مَا ضَرَبْتُهُ بِهِ، وَلَا أَحْتَاجُ إِلَى بَيَانِهِ لِعَدَمِ تَعَلُّقِ الْمَقْصُودِ بِهِ لِيَقْطَعَ سُؤَالَ السَّائِلِ: بِمَاذَا ضَرَبَهُ بِسَوْطٍ أَوْ بِعَصَا، فَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي: أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا يَقْطَعُ سُؤَالَ السَّائِلِ عَنِ الْإِسْرَاءِ، لِأَنَّ الْإِسْرَاءَ هُوَ السَّيْرُ أَوَّلَ اللَّيْلِ، وَالسُّرَى هُوَ السَّيْرُ آخِرَ اللَّيْلِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: مُسْتَقِرٌّ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا أَحَدُهَا: عَذَابٌ لَا مَدْفَعَ لَهُ، أَيْ يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِمْ وَيَثْبُتُ، وَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى إِزَالَتِهِ وَرَفْعِهِ أَوْ إِحَالَتِهِ وَدَفْعِهِ ثَانِيهَا: دَائِمٌ، فَإِنَّهُمْ لَمَّا أُهْلِكُوا نُقِلُوا إِلَى الْجَحِيمِ، فَكَأَنَّ مَا أَتَاهُمْ عَذَابٌ لَا يَنْدَفِعُ بِمَوْتِهِمْ، فَإِنَّ الْمَوْتَ يُخَلِّصُ مِنَ الْأَلَمِ الَّذِي يَجِدُهُ الْمَضْرُوبُ مِنَ الضَّرْبِ وَالْمَحْبُوسُ مِنَ الْحَبْسِ، وَمَوْتُهُمْ مَا خَلَّصَهُمْ ثَالِثُهَا: عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ عَلَيْهِمْ لَا يَتَعَدَّى غَيْرَهُمْ، أَيْ هُوَ أَمْرٌ قَدْ قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَقَرَّرَهُ فَاسْتَقَرَّ، وَلَيْسَ كَمَا يُقَالُ: إِنَّهُ أَمْرٌ أَصَابَهُمُ اتِّفَاقًا كَالْبَرْدِ الَّذِي يَضُرُّ زَرْعَ قَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ، وَيُظَنُّ بِهِ أَنَّهُ أَمْرٌ اتِّفَاقِيٌّ، وَلَيْسَ لَوْ خَرَجُوا مِنْ أَمَاكِنِهِمْ لَنَجَوْا كَمَا نَجَا آلُ لُوطٍ، بَلْ كَانَ ذَلِكَ يَتْبَعُهُمْ، لِأَنَّهُ كَانَ أَمْرًا قَدِ اسْتَقَرَّ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: الضَّمِيرُ فِي صَبَّحَهُمْ عَائِدٌ إِلَى الَّذِينَ عَادَ إِلَيْهِمُ الضَّمِيرُ فِي أَعْيُنِهِمْ فَيَعُودُ لَفْظًا إِلَيْهِمْ لِلْقُرْبِ، وَمَعْنًى إِلَى الَّذِينَ تَمَارَوْا بِالنُّذُرِ، أَوِ الَّذِينَ عَادَ إِلَيْهِمُ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا [القمر:

٣٦] . ثم قال تعالى:

[[سورة القمر (٥٤) : آية ٣٩]]

فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ (٣٩)

مَرَّةً أُخْرَى، لِأَنَّ الْعَذَابَ كان مرتين خاص بالمراودين، والآخر عام. وقوله تعالى:

[[سورة القمر (٥٤) : آية ٤٠]]

وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٤٠)

قَدْ فَسَّرْنَاهُ مِرَارًا وَبَيَّنَّا مَا لِأَجْلِهِ تَكْرَارًا. ثم قال تعالى:

[سورة القمر (٥٤) : الآيات ٤١ الى ٤٢]

وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (٤١) كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (٤٢)

وَفِيهِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: مَا الْفَائِدَةُ فِي لَفْظِ: آلَ فِرْعَوْنَ بَدَلَ قَوْمِ فِرْعَوْنَ؟ نَقُولُ: الْقَوْمُ أَعَمُّ مِنَ الْآلِ، فَالْقَوْمُ كُلُّ مَنْ يَقُومُ الرَّئِيسُ بِأَمْرِهِمْ أَوْ يَقُومُونَ بِأَمْرِهِ، وَالْآلُ كُلُّ مَنْ يَؤُولُ إِلَى/ الرَّئِيسِ خَيْرُهُمْ وَشَرُّهُمْ أَوْ يَؤُولُ إِلَيْهِمْ خَيْرُهُ وَشَرُّهُ، فَالْبَعِيدُ الَّذِي لَا يَعْرِفُهُ الرَّئِيسُ وَلَا يَعْرِفُ هُوَ عَيْنَ الرَّئِيسِ وَإِنَّمَا يَسْمَعُ اسْمَهُ، فَلَيْسَ هُوَ بِآلِهِ، إِذَا عَرَفْتَ الْفَرْقَ، نَقُولُ: قَوْمُ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ هُمْ غَيْرُ مُوسَى عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ قَاهِرٌ يَقْهَرُ الْكُلَّ وَيَجْمَعُهُمْ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنَّمَا كَانُوا هُمْ رُؤَسَاءَ وَأَتْبَاعًا، وَالرُّؤَسَاءُ إِذَا كَثُرُوا لَا يَبْقَى لِأَحَدٍ مِنْهُمْ حُكْمٌ نَافِذٌ عَلَى أحد،

<<  <  ج: ص:  >  >>