للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُرِيدُ الْعَادِيَاتُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ: وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ [الصَّافَّاتِ: ١٦٤] أَيْ مَنْ لَهُ.

ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ وَفِيهِ قَوْلَانِ:

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ تَعَالَى يَسْمَعُ قَوْلَ مَنْ يَتَكَلَّمُ بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَقَوْلَ مَنْ يَتَكَلَّمُ بِالْكُفْرِ، وَيَعْلَمُ مَا فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ مِنَ الِاعْتِقَادِ الطَّاهِرِ، وَمَا فِي قَلْبِ الْكَافِرِ مِنَ الِاعْتِقَادِ الْخَبِيثِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي:

رَوَى عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ إِسْلَامَ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنَ الْيَهُودِ الَّذِينَ كَانُوا حَوْلَ الْمَدِينَةِ، وَكَانَ يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى ذَلِكَ سِرًّا وَعَلَانِيَةً، فَمَعْنَى قَوْلِهِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ لِدُعَائِكَ يَا مُحَمَّدُ بِحِرْصِكَ عَلَيْهِ واجتهادك.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٢٥٧]]

اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٥٧)

[فِي قوله تعالى اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا] فِيهِ مَسْأَلَتَانِ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْوَلِيُّ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ مِنْ قَوْلِهِمْ: وَلِيَ فُلَانٌ الشَّيْءَ يَلِيهِ وِلَايَةً فَهُوَ وَالٍ وَوَلِيٌّ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْوَلْيِ الَّذِي هُوَ الْقُرْبُ، قَالَ الْهُذَلِيُّ:

وَعَدَتْ عَوَادٍ دون وليك تشغب

وَمِنْهُ يُقَالُ: دَارِي تَلِي دَارَهَا، أَيْ تَقْرُبُ مِنْهَا، وَمِنْهُ يُقَالُ: لِلْمُحِبِّ الْمُعَاوِنِ: وَلِيٌّ لِأَنَّهُ يَقْرُبُ مِنْكَ بِالْمَحَبَّةِ وَالنُّصْرَةِ وَلَا يُفَارِقُكَ، وَمِنْهُ الْوَالِي، لِأَنَّهُ يَلِي الْقَوْمَ بِالتَّدْبِيرِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَمِنْهُ الْمَوْلَى وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا فِي خِلَافِ الْوِلَايَةِ: الْعَدَاوَةُ مِنْ عَدَّا الشَّيْءَ إِذَا جَاوَزَهُ، فَلِأَجْلِ هَذَا كَانَتِ الْوِلَايَةُ خِلَافَ الْعَدَاوَةِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: احْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ أَلْطَافَ اللَّهِ تَعَالَى فِي حَقِّ الْمُؤْمِنَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالدِّينِ أَكْثَرُ مِنْ أَلْطَافِهِ فِي حَقِّ الْكَافِرِ، بِأَنْ قَالُوا: الْآيَةُ دَلَّتْ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى التَّعْيِينِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْوَلِيَّ لِلشَّيْءِ هُوَ الْمُتَوَلِّي لِمَا يَكُونُ سَبَبًا لِصَلَاحِ الْإِنْسَانِ وَاسْتِقَامَةِ أَمْرِهِ فِي الْغَرَضِ الْمَطْلُوبِ وَلِأَجْلِهِ قَالَ تَعَالَى:

يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ [الْأَنْفَالِ: ٣٤] فَجَعَلَ الْقَيِّمَ بِعِمَارَةِ الْمَسْجِدِ وَلِيًّا لَهُ وَنَفَى فِي الْكُفَّارِ أَنْ يَكُونُوا أَوْلِيَاءَهُ، فَلَمَّا كَانَ مَعْنَى الْوَلِيِّ الْمُتَكَفِّلَ بِالْمَصَالِحِ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ نَفْسَهُ وَلِيًّا لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى التَّخْصِيصِ، عَلِمْنَا أَنَّهُ تَعَالَى تَكَفَّلَ بِمَصَالِحِهِمْ فَوْقَ مَا تَكَفَّلَ بِمَصَالِحِ الْكُفَّارِ، وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّهُ تَعَالَى سَوَّى بَيْنَ الْكُفَّارِ وَالْمُؤْمِنِينَ فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّوْفِيقِ وَالْأَلْطَافِ، فَكَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مُبْطِلَةً لِقَوْلِهِمْ، قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: هَذَا التَّخْصِيصُ مَحْمُولٌ عَلَى/ أَحَدِ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ: أَنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى زِيَادَةِ الْأَلْطَافِ، كَمَا ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً [مُحَمَّدٍ: ١٧] وَتَقْرِيرُهُ مِنْ حَيْثُ الْعَقْلُ أَنَّ الْخَيْرَ وَالطَّاعَةَ يَدْعُو بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا حَضَرَ مَجْلِسًا يَجْرِي فِيهِ الْوَعْظُ، فَإِنَّهُ يَلْحَقُ قَلْبَهُ خُشُوعٌ وَخُضُوعٌ وَانْكِسَارٌ، وَيَكُونُ حَالُهُ مُفَارِقًا لِحَالِ مَنْ قَسَا قَلْبُهُ بِالْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ فِي الْمُؤْمِنِ مِنَ الْأَلْطَافِ مَا لَا يَصِحُّ فِي غَيْرِهِ، فَكَانَ تَخْصِيصُ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّهُ تَعَالَى وَلِيُّهُمْ مَحْمُولًا عَلَى ذَلِكَ.