الْهَاءِ وَالْمِيمِ فِي عَلَيْهِمْ كَقَوْلِكَ: عَلَيْهِمُ الْمَالُ صَاغِرِينَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: خالِدِينَ فِيها أَيْ فِي اللَّعْنَةِ، وَقِيلَ فِي النَّارِ إِلَّا أَنَّهَا أُضْمِرَتْ تَفْخِيمًا لِشَأْنِهَا وَتَهْوِيلًا كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [الْقَدْرِ: ١] وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِوُجُوهٍ. الْأَوَّلُ: أَنَّ الضَّمِيرَ إِذَا وُجِدَ لَهُ مَذْكُورٌ مُتَقَدِّمٌ فَرَدُّهُ إِلَيْهِ أَوْلَى مِنْ رَدِّهِ إِلَى مَا لَمْ يُذْكَرْ. الثَّانِي: أَنَّ حَمْلَ هَذَا الضَّمِيرِ عَلَى اللَّعْنَةِ أَكْثَرُ فَائِدَةً من حمله على النار، لأن اللعنة هُوَ الْإِبْعَادُ مِنَ الثَّوَابِ بِفِعْلِ الْعِقَابِ فِي الْآخِرَةِ وَإِيجَادِهِ فِي الدُّنْيَا فَكَانَ اللَّعْنُ يَدْخُلُ فِيهِ النَّارُ وَزِيَادَةٌ فَكَانَ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَيْهِ أَوْلَى. الثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَهُ: خالِدِينَ فِيها إِخْبَارٌ عَنِ الْحَالِ، وَفِي حَمْلِ الضَّمِيرِ عَلَى اللَّعْنِ يَكُونُ ذَلِكَ حَاصِلًا فِي الْحَالِ، وَفِي حَمْلِهِ عَلَى النَّارِ لَا يَكُونُ حَاصِلًا فِي الْحَالِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنَ التَّأْوِيلِ فَكَانَ ذَلِكَ أَوْلَى، وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى وَصَفَ هَذَا الْعَذَابَ بِأُمُورٍ ثَلَاثَةٍ. أَحَدُهَا: الْخُلُودُ وَهُوَ الْمُكْثُ الطَّوِيلُ عِنْدَنَا، وَالْمُكْثُ الدَّائِمُ عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ [الْبَقَرَةِ: ٨١] . وَثَانِيهَا: عَدَمُ التَّخْفِيفِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الَّذِي يَنَالُهُمْ مِنْ/ عَذَابِ اللَّهِ فَهُوَ مُتَشَابِهٌ فِي الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا، لَا يَصِيرُ بَعْضُ الْأَوْقَاتِ أَقَلَّ مِنْ بَعْضٍ، فَإِنْ قِيلَ: هَذَا التَّشَابُهُ مُمْتَنِعٌ لِوُجُوهٍ. الْأَوَّلُ: أَنَّهُ إِذَا تَصَوَّرَ حَالَ غَيْرِهِ فِي شِدَّةٍ كَالْعِقَابِ، كَانَ ذَلِكَ كَالتَّخْفِيفِ مِنْهُ. الثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى يُوَفِّرُ عَلَيْهِمْ مَا فَاتَ وَقْتُهُ مِنَ الْعَذَابِ ثُمَّ تَنْقَطِعُ تِلْكَ الزِّيَادَةُ فَيَكُونُ ذَلِكَ تَخْفِيفًا. الثَّالِثُ:
أَنَّهُمْ حَيْثُمَا يُخَاطَبُونَ بِقَوْلِهِ: اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ لَا شَكَّ أَنَّهُ يَزْدَادُ غَمُّهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. (أَجَابُوا عَنْهُ) بِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ الْقَلِيلَةِ، فَالْمُسْتَغْرِقُ بِالْعَذَابِ الشَّدِيدِ لَا يَنْتَبِهُ لِهَذَا الْقَدْرِ الْقَلِيلِ مِنَ التَّفَاوُتِ، قَالُوا:
وَلَمَّا دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ هَذَا الْعِقَابَ مُتَشَابِهٌ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ دَائِمًا لِأَنَّهُمْ لَوْ جَوَّزُوا انْقِطَاعَ ذَلِكَ مِمَّا يُخَفِّفُ عنهم إذا تصوره، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَاقِعَ فِي مِحْنَةٍ عَظِيمَةٍ فِي الدُّنْيَا إِذَا بُشِّرَ بِالْخَلَاصِ بَعْدَ أَيَّامٍ فَإِنَّهُ يَفْرَحُ وَيُسَرُّ وَيَسْهُلُ عَلَيْهِ مَوْقِعُ مِحْنَتِهِ وَكُلَّمَا كَانَتْ مِحْنَتُهُ أَعْظُمَ، كَانَ مَا يَلْحَقُهُ مِنَ الرَّوْحِ وَالتَّخْفِيفِ بِتَصَوُّرِ الِانْقِطَاعِ أَكْثَرَ.
الصِّفَةُ الثَّالِثَةُ: مِنْ صِفَاتِ ذَلِكَ الْعِقَابِ: قَوْلُهُ: وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ وَالْإِنْظَارُ هُوَ التَّأْجِيلُ وَالتَّأْخِيرُ قَالَ تَعَالَى: فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ [الْبَقَرَةِ: ٢٨٠] وَالْمَعْنَى: أَنَّ عَذَابَهُمْ لَا يُؤَجَّلُ، بَلْ يَكُونُ حَاضِرًا مُتَّصِلًا بِعَذَابٍ مِثْلِهِ فَكَأَنَّهُ تَعَالَى أَعْلَمَنَا أَنَّ حُكْمَ دَارِ الْعَذَابِ وَالثَّوَابِ بِخِلَافِ حُكْمِ الدُّنْيَا فَإِنَّهُمْ يُمْهَلُونَ فِيهَا إِلَى آجَالٍ قَدَّرَهَا اللَّهُ تَعَالَى، وَفِي الْآخِرَةِ لَا مُهْلَةَ الْبَتَّةَ فَإِذَا اسْتَمْهَلُوا لَا يُمْهَلُونَ، وَإِذَا اسْتَغَاثُوا لَا يُغَاثُونَ وَإِذَا استعتبوا لا يعتبون، وقيل لهم اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ [الْمُؤْمِنُونَ: ١٠٨] نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ الثَّلَاثَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِلْعِقَابِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَّتْ عَلَى يَأْسِ الْكَافِرِ مِنَ الِانْقِطَاعِ وَالتَّخْفِيفِ والتأخير
[[سورة البقرة (٢) : آية ١٦٣]]
وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لَا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (١٦٣)
اعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ فِي تَفْسِيرِ لَفْظِ الْإِلَهِ قَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَمَّا الْوَاحِدُ فَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: قَوْلُهُمْ وَاحِدٌ اسْمٌ جَرَى عَلَى وَجْهَيْنِ فِي كَلَامِهِمْ. أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ اسْمًا وَالْآخَرُ أَنْ يَكُونَ وَصْفًا، فَالِاسْمُ الَّذِي لَيْسَ بِصِفَةٍ قَوْلُهُمْ: وَاحِدٌ الْمُسْتَعْمَلُ فِي الْعَدَدِ نَحْوُ: وَاحِدٌ اثْنَانِ ثَلَاثَةٌ، فَهَذَا اسْمٌ لَيْسَ بِوَصْفٍ كَمَا أَنَّ سَائِرَ أَسْمَاءِ الْعَدَدِ كَذَلِكَ، وَأَمَّا كَوْنُهُ صِفَةً فَنَحْوُ قَوْلِكَ مَرَرْتُ بِرَجُلٍ وَاحِدٍ وَهَذَا شَيْءٌ وَاحِدٌ فَإِذَا أُجْرِيَ هَذَا الِاسْمُ عَلَى الْحَقِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَازَ أَنْ يَكُونَ الَّذِي هُوَ الْوَصْفُ كَالْعَالِمِ وَالْقَادِرِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute