للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى بَعْدَهُ: وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ.

[[سورة الأنفال (٨) : آية ٤٩]]

إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٩)

[في قَوْلُهُ تَعَالَى إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ] وَفِيهِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: إِنَّمَا لَمْ تَدْخُلِ الْوَاوُ فِي قَوْلِهِ: إِذْ يَقُولُ وَدَخَلَتْ فِي قوله: وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ [الأنفال:

٤٨] لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَإِذْ زَيَّنَ عَطْفٌ عَلَى هَذَا التَّزْيِينِ عَلَى حَالِهِمْ وَخُرُوجِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءً، وَأَمَّا هُنَا وَهُوَ قَوْلُهُ: إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ فَلَيْسَ فِيهِ عَطْفٌ لِهَذَا الْكَلَامِ عَلَى مَا قَبْلَهُ بَلْ هُوَ كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ مُنْقَطِعٌ عَمَّا قَبْلَهُ، وَعَامِلُ الْإِعْرَابِ فِي إِذْ فِيهِ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: التَّقْدِيرُ واللَّه شَدِيدُ الْعِقَابِ إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالثَّانِي: اذْكُرُوا إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَمَّا الْمُنَافِقُونَ فَهُمْ قَوْمٌ مِنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَهُمْ قَوْمٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَسْلَمُوا وَمَا قَوِيَ إِسْلَامُهُمْ فِي قُلُوبِهِمْ وَلَمْ يُهَاجِرُوا. ثُمَّ إِنَّ قُرَيْشًا لَمَّا خَرَجُوا لِحَرْبِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أُولَئِكَ نَخْرُجُ مَعَ قَوْمِنَا فَإِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ فِي كَثْرَةٍ خَرَجْنَا إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فِي قِلَّةٍ أَقَمْنَا فِي قَوْمِنَا. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ قُتِلَ هَؤُلَاءِ جَمِيعًا مَعَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ. وَقَوْلُهُ: غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ خَرَجَ بِثَلَاثِمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ يُقَاتِلُونَ أَلْفَ رَجُلٍ، / وَمَا ذَاكَ إِلَّا أَنَّهُمُ اعْتَمَدُوا عَلَى دِينِهِمْ. وَقِيلَ الْمُرَادُ: إِنَّ هَؤُلَاءِ يَسْعَوْنَ فِي قَتْلِ أَنْفُسِهِمْ، رَجَاءَ أَنْ يُجْعَلُوا أَحْيَاءً بَعْدَ الْمَوْتِ وَيُثَابُونَ عَلَى هَذَا الْقَتْلِ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ أَيْ وَمَنْ يُسَلِّمْ أَمْرَهُ إِلَى اللَّه وَيَثِقْ بِفَضْلِهِ وَيُعَوِّلْ عَلَى إِحْسَانِ اللَّه، فَإِنَّ اللَّه حَافِظُهُ وَنَاصِرُهُ، لِأَنَّهُ عَزِيزٌ لَا يَغْلِبُهُ شَيْءٌ، حَكِيمٌ يُوَصِّلُ الْعَذَابَ إِلَى أَعْدَائِهِ، وَالرَّحْمَةَ وَالثَّوَابَ إلى أوليائه:

[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٥٠ الى ٥١]

وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (٥٠) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٥١)

[في قَوْلُهُ تَعَالَى وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ] اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا شَرَحَ أَحْوَالَ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ شَرَحَ أَحْوَالَ مَوْتِهِمْ، وَالْعَذَابَ الَّذِي يَصِلُ إِلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحْدَهُ إِذْ تَتَوَفَّى بِالتَّاءِ عَلَى تَأْنِيثِ لَفْظِ الْمَلَائِكَةِ وَالْجَمْعِ، وَالْبَاقُونَ بِالْيَاءِ عَلَى الْمَعْنَى.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: جَوَابُ لَوْ مَحْذُوفٌ. وَالتَّقْدِيرُ: لَرَأَيْتَ مَنْظَرًا هَائِلًا، وَأَمْرًا فَظِيعًا، وَعَذَابًا شَدِيدًا.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: وَلَوْ تَرى وَلَوْ عَايَنْتَ وَشَاهَدْتَ، لِأَنَّ لَوْ تَرُدُّ الْمُضَارِعَ إِلَى الْمَاضِي كَمَا تَرُدُّ إِنْ الْمَاضِيَ إِلَى الْمُضَارِعِ.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: الْمَلَائِكَةُ رَفْعُهَا بِالْفِعْلِ، وَيَضْرِبُونَ حَالٌ مِنْهُمْ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي قَوْلِهِ: يَتَوَفَّى

<<  <  ج: ص:  >  >>