مَا جَاءَنَا رَسُولٌ، وَلَا أَنْ يَقُولُوا قَصَّرَ الرَّسُولُ، وَهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى إِتْيَانِ الرَّسُولِ بِمَا عَلَيْهِ لِأَنَّ الرَّسُولَ لَوْ أَهْمَلَ شَيْئًا لَمَا كانوا يؤمنون ولولا المستكبرون لآمنوا.
ثم قال تعالى:
[[سورة سبإ (٣٤) : آية ٣٢]]
قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (٣٢)
رَدًّا لِمَا قَالُوا إِنَّ كُفْرَنَا كَانَ لِمَانِعٍ أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ يَعْنِي الْمَانِعُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ رَاجِحًا عَلَى الْمُقْتَضِي حَتَّى يَعْمَلَ عَمَلَهُ، وَالَّذِي جَاءَ بِهِ هُوَ الْهُدَى، وَالَّذِي صَدَرَ مِنَ الْمُسْتَكْبِرِينَ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا يُوجِبُ الِامْتِنَاعَ مِنْ قَبُولِ مَا جَاءَ بِهِ فَلَمْ يَصِحَّ تَعْلِيلُكُمْ بِالْمَانِعِ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ كُفْرَهُمْ كَانَ إِجْرَامًا مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْمَعْذُورَ لَا يَكُونُ مَعْذُورًا إِلَّا لِعَدَمِ الْمُقْتَضِي أَوْ لِقِيَامِ المانع ولم يوجد شيء منهما.
[[سورة سبإ (٣٤) : آية ٣٣]]
وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٣٣)
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً.
لَمَّا ذَكَرَ الْمُسْتَكْبِرُونَ أَنَّا مَا صَدَدْنَاكُمْ وَمَا صَدَرَ مِنَّا مَا يَصْلُحُ مَانِعًا وَصَارِفًا اعْتَرَفَ الْمُسْتَضْعَفُونَ بِهِ وَقَالُوا:
بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ مَنَعَنَا ثُمَّ قَالُوا لَهُمْ إِنَّكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مَا أَتَيْتُمْ بِالصَّارِفِ الْقَطْعِيِّ وَالْمَانِعِ الْقَوِيِّ وَلَكِنِ انْضَمَّ أَمْرُكُمْ إِيَّانَا بِالْكُفْرِ إِلَى طُولِ الْأَمَدِ وَالِامْتِدَادِ فِي الْمَدَدِ فَكَفَرْنَا فَكَانَ قَوْلُكُمْ جُزْءَ السَّبَبِ، وَيَحْتَمِلُ وَجْهًا آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بَلْ مَكْرُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فَحُذِفَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ أَيْ نُنْكِرَهُ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً هَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْمُشْرِكَ بِاللَّهِ مَعَ أَنَّهُ فِي الصُّورَةِ مُثْبِتٌ لَكِنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ مُنْكِرٌ لِوُجُودِ اللَّهِ لِأَنَّ مَنْ يُسَاوِيهِ الْمَخْلُوقُ الْمَنْحُوتُ لَا يَكُونُ إِلَهًا، وَقَوْلُهُ فِي الْأَوَّلِ: يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا بِلَفْظِ الْمُسْتَقْبَلِ، وَقَوْلُهُ فِي الْآيَتَيْنِ الْمُتَأَخِّرَتَيْنِ قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا، وقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا بِصِيغَةِ الْمَاضِي مَعَ أَنَّ السُّؤَالَ وَالتَّرَاجُعَ فِي الْقَوْلِ لَمْ يَقَعْ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَقَعَ، فَإِنَّ الْأَمْرَ الْوَاجِبَ الْوُقُوعِ يُوجَدُ كَأَنَّهُ وَقَعَ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر: ٣٠] .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كانُوا يَعْمَلُونَ.
مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يَتَرَاجَعُونَ الْقَوْلَ فِي الْأَوَّلِ، ثُمَّ إِذَا جَاءَهُمُ الْعَذَابُ الشَّاغِلُ يُسِرُّونَ ذَلِكَ التَّرَاجُعَ الدَّالَّ عَلَى النَّدَامَةِ، وَقِيلَ مَعْنَى الْإِسْرَارِ الْإِظْهَارُ أَيْ أَظْهَرُوا النَّدَامَةَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِأَنَّهُمْ لَمَّا تَرَاجَعُوا فِي الْقَوْلِ رَجَعُوا إِلَى اللَّهِ بِقَوْلِهِمْ: رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً [السَّجْدَةِ: ١٢] ثُمَّ أُجِيبُوا وَأُخْبِرُوا بِأَنْ لَا مَرَدَّ