للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نَفْسَهَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ جَائِزًا لِقَوْلِهِ تعالى: فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ وَإِضَافَةُ الْفِعْلِ إِلَى الْفَاعِلِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُبَاشَرَةِ، لِأَنَّ هَذَا هُوَ الْحَقِيقَةُ فِي اللَّفْظَةِ، وَتَمَسَّكَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي أَنَّ هَذَا النِّكَاحَ لَا يَصِحُّ إِلَّا من الولي لأن قوله: فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ خِطَابٌ مَعَ الْأَوْلِيَاءِ وَلَوْلَا أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ لَا يَصِحُّ إِلَّا مِنَ الْوَلِيِّ وإلا لما صار مخاطبا بقوله: فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وبالله التوفيق.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٢٣٥]]

وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لَا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (٢٣٥)

[الحكم الرابع عشر في خطبة النساء]

[قوله تعالى: وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إلى قوله إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً] قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لَا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً وَفِيهِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: التَّعْرِيضُ فِي اللُّغَةِ ضِدُّ التَّصْرِيحِ، وَمَعْنَاهُ أَنْ يُضَمِّنَ كَلَامَهُ مَا يَصْلُحُ لِلدَّلَالَةِ/ عَلَى مَقْصُودِهِ وَيَصْلُحُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى غَيْرِ مَقْصُودِهِ إِلَّا أَنَّ إِشْعَارَهُ بِجَانِبِ الْمَقْصُودِ أَتَمُّ وَأَرْجَحُ وَأَصْلُهُ مِنْ عَرْضِ الشَّيْءِ وَهُوَ جَانِبُهُ كَأَنَّهُ يَحُومُ حَوْلَهُ وَلَا يُظْهِرُهُ، وَنَظِيرُهُ أَنْ يَقُولَ الْمُحْتَاجُ لِلْمُحْتَاجِ إِلَيْهِ: جِئْتُكَ لِأُسَلِّمَ عَلَيْكَ وَلِأَنْظُرَ إِلَى وَجْهِكَ الْكَرِيمِ وَلِذَلِكَ قَالُوا:

وَحَسْبُكَ بِالتَّسْلِيمِ مِنِّي تَقَاضِيَا

وَالتَّعْرِيضُ قَدْ يُسَمَّى تَلْوِيحًا لِأَنَّهُ يَلُوحُ مِنْهُ مَا يُرِيدُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْكِنَايَةِ وَالتَّعْرِيضِ أَنَّ الْكِنَايَةَ أَنْ تَذْكُرَ الشَّيْءَ بِذِكْرِ لَوَازِمِهِ، كَقَوْلِكَ: فُلَانٌ طَوِيلُ النِّجَادِ، كَثِيرُ الرَّمَادِ، وَالتَّعْرِيضُ أَنْ تَذْكُرَ كَلَامًا يَحْتَمِلُ مَقْصُودَكَ وَيَحْتَمِلُ غَيْرَ مَقْصُودِكَ إِلَّا أَنَّ قَرَائِنَ أَحْوَالِكَ تُؤَكِّدُ حَمْلَهُ عَلَى مَقْصُودِكَ، وَأَمَّا الْخِطْبَةُ فَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْخِطْبَةُ مَصْدَرٌ بِمَنْزِلَةِ الْخَطْبِ وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِكَ: إنه لحسن الْقَعْدَةِ وَالْجِلْسَةِ تُرِيدُ الْقُعُودَ وَالْجُلُوسَ وَفِي اشْتِقَاقِهِ وَجْهَانِ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْخَطْبَ هُوَ الْأَمْرُ، وَالشَّأْنُ يُقَالُ: مَا خَطْبُكَ، أَيْ مَا شَأْنُكَ، فَقَوْلُهُمْ: خَطَبَ فُلَانٌ فُلَانَةَ، أَيْ سَأَلَهَا أَمْرًا وَشَأْنًا فِي نَفْسِهَا الثَّانِي: أَصْلُ الْخِطْبَةِ مِنَ الْخِطَابِ الَّذِي هُوَ الْكَلَامُ، يُقَالُ: خَطَبَ الْمَرْأَةَ خِطْبَةً لِأَنَّهُ خَاطِبٌ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ، وَخَطَبَ خُطْبَةً أَيْ خَاطَبَ بِالزَّجْرِ وَالْوَعْظِ وَالْخَطْبُ: الْأَمْرُ الْعَظِيمُ، لِأَنَّهُ يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى خِطَابٍ كَثِيرٍ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: النِّسَاءُ فِي حُكْمِ الْخِطْبَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا: الَّتِي تَجُوزُ خِطْبَتُهَا تَعْرِيضًا وَتَصْرِيحًا وَهِيَ الَّتِي تَكُونُ خَالِيَةً عَنِ الْأَزْوَاجِ وَالْعِدَدِ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ نِكَاحُهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَكَيْفَ لَا تَجُوزُ خِطْبَتُهَا، بَلْ يُسْتَثْنَى عَنْهُ صُورَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ مَا

رَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَخْطُبَنَّ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ»

ثُمَّ هَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ وَرَدَ مُطْلَقًا لَكِنْ فِيهِ ثلاثة أحوال.