للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْأَنْعَامِ: ١٩] وَقَوْلِهِ: أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [فُصِّلَتْ: ٥٣] وَالْمَشْهُودُ هُوَ التَّوْحِيدُ، لِقَوْلِهِ: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ [آل عمران: ١٨] والنبوة: قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَثَانِيهَا: أَنَّ الشَّاهِدَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ سَائِرُ الْأَنْبِيَاءُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ، وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً [النِّسَاءِ: ٤١] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً [الفتح: ٨] وَثَالِثُهَا: أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ هُوَ الْأَنْبِيَاءُ، وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ هُوَ الْأُمَمُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ، وَرَابِعُهَا: أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ هُوَ جَمِيعُ الْمُمْكِنَاتِ وَالْمُحْدَثَاتِ، وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَاجِبُ الْوُجُودِ، وَهَذَا احْتِمَالٌ ذَكَرْتُهُ أَنَا وَأَخَذْتُهُ مِنْ قَوْلِ الْأُصُولِيِّينَ هَذَا الِاسْتِدْلَالُ بِالشَّاهِدِ عَلَى الْغَائِبِ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ الْقَسَمُ وَاقِعًا بِالْخَلْقِ وَالْخَالِقِ، وَالصُّنْعِ وَالصَّانِعِ وَخَامِسُهَا: أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ هُوَ الْمَلَكُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ هُمُ الْمُكَلَّفُونَ وَسَادِسُهَا: أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ هُوَ الْمَلَكُ، وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ هُوَ الْإِنْسَانُ الَّذِي تَشْهَدُ عَلَيْهِ جَوَارِحُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ [النُّورِ: ٢٤] وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا [فُصِّلَتْ: ٢١] وَهَذَا قَوْلُ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ. وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَهُوَ أَقْوَالٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الرِّوَايَاتِ لَا عَلَى الِاشْتِقَاقِ فَأَحَدُهَا: أَنَّ الشَّاهِدَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَالْمَشْهُودَ يَوْمُ عَرَفَةَ،

رَوَى أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: «الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَالشَّاهِدُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَالْمَشْهُودُ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ ذَخِيرَةُ اللَّهِ لَنَا»

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا قَالَ: «الْمَشْهُودُ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالشَّاهِدُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، مَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَلَا غَرَبَتْ عَلَى أَفْضَلِ مِنْهُ فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ يَدْعُو اللَّهَ بِخَيْرٍ إِلَّا اسْتَجَابَ لَهُ، وَلَا يَسْتَعِيذُ مِنْ شَرٍّ إِلَّا أَعَاذَهُ مِنْهُ»

وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ مُرْسَلًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «سَيِّدُ الْأَيَّامِ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَهُوَ الشَّاهِدُ، وَالْمَشْهُودُ يَوْمُ عَرَفَةَ»

وَهَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ كَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، قَالَ قَتَادَةُ: شَاهِدٌ وَمَشْهُودٌ، يَوْمَانِ عَظَّمَهُمَا اللَّهُ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا، كَمَا يُحَدِّثُ أَنَّ الشَّاهِدَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَالْمَشْهُودَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَثَانِيهَا: أَنَّ الشَّاهِدَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَالْمَشْهُودَ يَوْمُ النَّحْرِ/ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا يَوْمَانِ عَظَّمَهُمَا اللَّهُ وَجَعَلَهُمَا مِنْ أَيَّامِ أَرْكَانِ أَيَّامِ الْحَجِّ، فَهَذَانِ الْيَوْمَانِ يَشْهَدَانِ لِمَنْ يَحْضُرُ فِيهِمَا بِالْإِيمَانِ وَاسْتِحْقَاقِ الرَّحْمَةِ،

وَرُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ذَبَحَ كَبْشَيْنِ، وَقَالَ فِي أَحَدِهِمَا: «هَذَا عَمَّنْ يَشْهَدُ لِي بِالْبَلَاغِ»

فَيَحْتَمِلُ لِهَذَا الْمَعْنَى أَنْ يَكُونَ يَوْمُ النَّحْرِ شَاهِدًا لِمَنْ حَضَرَهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ لِهَذَا الْخَبَرِ وَثَالِثُهَا: أَنَّ الشَّاهِدَ هُوَ عِيسَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْهُ: وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً [الْمَائِدَةِ: ١١٧] ، وَرَابِعُهَا: الشَّاهِدُ هُوَ اللَّهُ وَالْمَشْهُودُ هُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، قَالَ تَعَالَى: يَا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ [يس: ٥٢] وَقَوْلُهُ: ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا [الْمُجَادَلَةِ: ٧] ، وَخَامِسُهَا: أَنَّ الشَّاهِدَ هُوَ الْإِنْسَانُ، وَالْمَشْهُودَ هُوَ التَّوْحِيدُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:

وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى [الْأَعْرَافِ: ١٧٢] وَسَادِسُهَا: أَنَّ الشَّاهِدَ الْإِنْسَانُ وَالْمَشْهُودَ هُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، أَمَّا كَوْنُ الْإِنْسَانِ شَاهِدًا فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: قالُوا بَلى شَهِدْنا [الْأَعْرَافِ: ١٧٢] وَأَمَّا كَوْنُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَشْهُودًا فَلِقَوْلِهِ: أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غافِلِينَ [الْأَعْرَافِ: ١٧٢] فَهَذِهِ هِيَ الْوُجُوهُ الْمُلَخَّصَةُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقَائِقِ الْقُرْآنِ.

[سورة البروج (٨٥) : الآيات ٤ الى ٧]

قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (٤) النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ (٥) إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ (٦) وَهُمْ عَلى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (٧)

<<  <  ج: ص:  >  >>