للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْهِمْ لِمَعْرِفَتِهِمْ بِأَمَانَتِهِ وَصِيَانَتِهِ وَإِنَّمَا هُمْ ظَالِمُونَ يُرِيدُونَ أَنْ يَظْلِمُوا مَنْ لَهُ الْحَقُّ عَلَيْهِمْ وَهُمْ لَهُ جُحُودٌ، وَذَلِكَ شَيْءٌ لَا يَسْتَطِيعُونَهُ فِي مَجْلِسِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَأْبَوْنَ المحاكمة إليه.

[سورة النور (٢٤) : الآيات ٥١ الى ٥٤]

إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥١) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (٥٢) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لَا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (٥٣) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٥٤)

اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا حَكَى قَوْلَ الْمُنَافِقِينَ وَمَا قَالُوهُ وَمَا فَعَلُوهُ أَتْبَعَهُ بِذِكْرِ مَا كَانَ يَجِبُ أَنْ يَفْعَلُوهُ وَمَا يَجِبُ أَنْ يَسْلُكَهُ الْمُؤْمِنُونَ فَقَالَ تَعَالَى: إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ وَفِيهِ مَسَائِلُ:

المسألة الْأُولَى: قَرَأَ الْحَسَنُ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ بِالرَّفْعِ، وَالنَّصْبُ أَقْوَى لِأَنَّ أَوْلَى الِاسْمَيْنِ بِكَوْنِهِ اسما لكان أو غلهما في التعريف وأَنْ يَقُولُوا أَوْغَلُ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ عَلَيْهِ لِلتَّنْكِيرِ بِخِلَافِ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ.

المسألة الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ مَعْنَاهُ كَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُمْ وَطَرِيقَتُهُمْ إِذَا دُعُوا إِلَى حُكْمِ كِتَابِ اللَّه وَرَسُولِهِ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، فَيَكُونُ إِتْيَانُهُمْ إِلَيْهِ وَانْقِيَادُهُمْ لَهُ سَمْعًا وَطَاعَةً، وَمَعْنَى سَمِعْنا أَجَبْنَا عَلَى تَأْوِيلِ قَوْلِ الْمُسْلِمِينَ سَمِعَ اللَّه لِمَنْ حَمِدَهُ أَيْ قَبِلَ وَأَجَابَ، ثم قال: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أَيْ فِيمَا سَاءَهُ وَسَرَّهُ وَيَخْشَ اللَّهَ فِيمَا صَدَرَ عَنْهُ مِنَ الذُّنُوبِ فِي الْمَاضِي وَيَتَّقْهِ فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمْرِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ وَهَذِهِ الْآيَةُ عَلَى إِيجَازِهَا حَاوِيَةٌ لِكُلِّ مَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَفْعَلُوهُ.

أَمَّا قَوْلُهُ: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَ

فَقَالَ مُقَاتِلٌ: مَنْ حَلَفَ باللَّه/ فَقَدْ أَجْهَدَ فِي الْيَمِينِ، ثم قال لَمَّا بَيَّنَ اللَّه تَعَالَى كَرَاهِيَةَ الْمُنَافِقِينَ لِحُكْمِ رَسُولِ اللَّه، فَقَالُوا واللَّه لَئِنْ أَمَرْتَنَا أَنْ نَخْرُجَ مِنْ دِيَارِنَا وَأَمْوَالِنَا وَنِسَائِنَا لَخَرَجْنَا، وَإِنْ أَمَرْتَنَا بِالْجِهَادِ جَاهَدْنَا، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ رَسُولَهُ أَنْ يَنْهَاهُمْ عَنْ هَذَا الْقَسَمِ بِقَوْلِهِ:

قُلْ لَا تُقْسِمُوا

وَلَوْ كَانَ قَسَمُهُمْ كَمَا يَجِبُ لَمْ يَجُزِ النَّهْيُ عَنْهُ لِأَنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى الْقِيَامِ بِالْبِرِّ وَالْوَاجِبِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُنْهَى عَنْهُ، وَإِذَا ثَبَتَ ذلك أَنَّ قَسَمَهُمْ كَانَ لِنِفَاقِهِمْ وَأَنَّ بَاطِنَهُمْ خِلَافُ ظَاهِرِهِمْ، وَمَنْ نَوَى الْغَدْرَ لَا الْوَفَاءَ فَقَسَمُهُ لَا يَكُونُ إِلَّا قَبِيحًا.

أَمَّا قَوْلُهُ: طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ

فَهُوَ إِمَّا خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيِ الْمَطْلُوبُ مِنْكُمْ طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ لَا أَيْمَانٌ كَاذِبَةٌ، أَوْ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ أَمْثَلُ مِنْ قَسَمِكُمْ بِمَا لَا تَصْدُقُونَ فِيهِ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ دَعُوا الْقَسَمَ وَلَا تَغْتَرُّوا بِهِ وَعَلَيْكُمْ طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ فَتَمَسَّكُوا بِهَا. وَقَرَأَ الْيَزِيدِيُّ طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ

بِالنَّصْبِ عَلَى مَعْنَى أَطِيعُوا طَاعَةَ (اللَّه) «١»


(١) لفظ (اللَّه) غير مثبت في الكشاف للزمخشري حيث إن الكلام منقول عنه. ٣/ ٧٣ ط. دار الفكر.

<<  <  ج: ص:  >  >>