للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَقْتُلَكَ فَلَمَّا لَمْ يُقَلْ لَهُ ذَلِكَ، بَلْ أَمْهَلْنَاهُ وَأَزَلْنَا الْخَوْفَ عَنْهُ وَوَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نُبْلِغَهُ مَأْمَنَهُ عَلِمْنَا أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ أَنَّ التَّقْلِيدَ فِي الدِّينِ غَيْرُ كَافٍ، بَلْ لَا بُدَّ مِنَ الْحُجَّةِ وَالدَّلِيلِ فَأَمْهَلْنَاهُ وَأَخَّرْنَاهُ لِيَحْصُلَ لَهُ مُهْلَةُ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ.

إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: لَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِقْدَارَ هَذِهِ الْمُهْلَةِ كَمْ يَكُونُ وَلَعَلَّهُ لَا يُعْرَفُ مِقْدَارُهُ إِلَّا بِالْعُرْفِ، فَمَتَى ظَهَرَ عَلَى الْمُشْرِكِ عَلَامَاتُ كَوْنِهِ طَالِبًا لِلْحَقِّ بَاحِثًا عَنْ وَجْهِ الِاسْتِدْلَالِ أُمْهِلَ وَتُرِكَ وَمَتَّى ظَهَرَ عَلَيْهِ كَوْنُهُ مُعْرِضًا عَنِ الْحَقِّ دَافِعًا لِلزَّمَانِ بِالْأَكَاذِيبِ لَمْ يُلْتَفَتْ إِلَيْهِ واللَّه أَعْلَمُ.

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: الْمَذْكُورُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ كَوْنُهُ طَالِبًا لِسَمَاعِ الْقُرْآنِ فَنَقُولُ: وَيَلْتَحِقُ بِهِ كَوْنُهُ طَالِبًا لِسَمَاعِ الدَّلَائِلِ، وَكَوْنُهُ طَالِبًا لِلْجَوَابِ عَنِ الشُّبُهَاتِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَعَالَى عَلَّلَ وُجُوبَ تِلْكَ الْإِجَارَةِ بِكَوْنِهِ غَيْرَ عَالِمٍ لِأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ وَكَانَ الْمَعْنَى فَأَجِرْهُ، لِكَوْنِهِ طَالِبًا لِلْعِلْمِ مُسْتَرْشِدًا لِلْحَقِّ وَكُلُّ مَنْ حَصَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْعِلَّةُ وَجَبَتْ إِجَارَتُهُ.

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: فِي قَوْلِهِ: حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ وُجُوهٌ: قِيلَ: أَرَادَ سَمَاعَ جَمِيعِ الْقُرْآنِ، لِأَنَّ تَمَامَ الدَّلِيلِ وَالْبَيِّنَاتِ فِيهِ، وَقِيلَ: أَرَادَ سَمَاعَ سُورَةِ بَرَاءَةَ، لِأَنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى كَيْفِيَّةِ الْمُعَامَلَةِ مَعَ الْمُشْرِكِينَ، وَقِيلَ:

أَرَادَ سَمَاعَ كُلِّ الدَّلَائِلِ. وَإِنَّمَا خَصَّ الْقُرْآنَ بِالذِّكْرِ، لِأَنَّهُ الْكِتَابُ الْجَارِي لِمُعْظَمِ الدَّلَائِلِ. وَقَوْلُهُ: ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ مَعْنَاهُ أَوْصِلْهُ إِلَى دِيَارِ قَوْمِهِ الَّتِي يَأْمَنُونَ فِيهَا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَجُوزُ قِتَالُهُمْ وَقَتْلُهُمْ.

الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: قَالَ الفقهاء: والكافر الْحَرْبِيُّ إِذَا دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ كَانَ مَغْنُومًا مَعَ مَالِهِ، إِلَّا أَنْ يَدْخُلَ مُسْتَجِيرًا لِغَرَضٍ شرعي كاستماع كلام اللَّه رجا الْإِسْلَامِ، أَوْ دَخَلَ لِتِجَارَةٍ. فَإِنْ دَخَلَ بِأَمَانِ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ فَأَمَانُهُمَا شُبْهَةُ أَمَانٍ، فَيَجِبُ تَبْلِيغُهُ مَأْمَنَهُ. وَهُوَ أَنْ يَبْلُغَ مَحْرُوسًا فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ إِلَى مَكَانِهِ الَّذِي هُوَ مَأْمَنٌ لَهُ، وَمَنْ دَخَلَ مِنْهُمْ دَارَ الْإِسْلَامِ رَسُولًا فَالرِّسَالَةُ أَمَانٌ، وَمَنْ دَخَلَ لِيَأْخُذَ مَالًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلِمَالِهِ أَمَانٌ فَأَمَانٌ لَهُ واللَّه أعلم.

[[سورة التوبة (٩) : آية ٧]]

كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧)

قَوْلُهُ: كَيْفَ اسْتِفْهَامٌ بِمَعْنَى الْإِنْكَارِ كَمَا تَقُولُ: كَيْفَ يَسْبِقُنِي مِثْلُكَ، أَيْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْبِقَنِي وَفِي الْآيَةِ مَحْذُوفٌ وَتَقْدِيرُهُ: كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ مَعَ إِضْمَارِ الْغَدْرِ فِيمَا وَقَعَ مِنَ الْعَهْدِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، لِأَجْلِ أَنَّهُمْ مَا نَكَثُوا وَمَا نَقَضُوا قِيلَ: إِنَّهُمْ بَنُو كِنَانَةَ وَبَنُو ضَمْرَةَ فَتَرَبَّصُوا أَمْرَهُمْ وَلَا تَقْتُلُوهُمْ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ عَلَى الْعَهْدِ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ عَلَى مِثْلِهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ يَعْنِي مَنِ اتَّقَى اللَّه يُوفِي بِعَهْدِهِ لِمَنْ عَاهَدَ واللَّه أَعْلَمُ.

[سورة التوبة (٩) : الآيات ٨ الى ١٠]

كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ (٨) اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ ساءَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ (٩) لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (١٠)

<<  <  ج: ص:  >  >>