للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُشْتَرِكِينَ فِي الْغَوَايَةِ، ثُمَّ قَالَ أَيْضًا: إِنَّا كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ وعنى بالمجرمين هاهنا الْكُفَّارَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ بَعْدَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ: إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: إِنَّهُمْ عَائِدٌ إِلَى الْمَذْكُورِ السَّابِقِ وَهُوَ قَوْلُهُ: بِالْمُجْرِمِينَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَفْظَ الْمُجْرِمِ الْمُطْلَقَ مُخْتَصٌّ فِي الْقُرْآنِ بِالْكَافِرِ، ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُمْ إِنَّمَا وَقَعُوا فِي ذَلِكَ الْعَذَابِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُكَذِّبِينَ بِالتَّوْحِيدِ وَبِالنُّبُوَّةِ، أَمَّا التَّكْذِيبُ بِالتَّوْحِيدِ فَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ يَعْنِي يُنْكِرُونَ وَيَتَعَصَّبُونَ لِإِثْبَاتِ الشِّرْكِ وَيَسْتَنْكِفُونَ عَنِ الْإِقْرَارِ بِالتَّوْحِيدِ. وَأَمَّا التَّكْذِيبُ بِالنُّبُوَّةِ فَهُوَ قَوْلُهُمْ: أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ وَيَعْنُونَ مُحَمَّدًا، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى كَذَّبَهُمْ فِي ذَلِكَ الْكَلَامِ فَقَالَ: بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ وَتَقْرِيرُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ جَاءَ بِالدِّينِ الْحَقِّ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالْعَقْلِ أَنَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنِ الضِّدِّ وَالنِّدِّ وَالشَّرِيكِ فَلَمَّا جَاءَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَقْرِيرِ هَذِهِ الْمَعَانِي كَانَ مَجِيئُهُ بِالدِّينِ الْحَقِّ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ أَيْنَا لَتَارِكُوا آلِهَتَنَا بِهَمْزَةٍ وَيَاءٍ بَعْدَهَا خَفِيفَةٍ سَاكِنَةٍ بِلَا مَدٍّ، وَقَرَأَ نافع في رواية قالون وأبو عَمْرٍو عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ يَمُدَّانِ وَالْبَاقُونَ بِهَمْزَتَيْنِ بلا مد وقوله تعالى: وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ «١» يَعْنِي صَدَّقَهُمْ فِي مَجِيئِهِمْ بِالتَّوْحِيدِ وَنَفْيِ الشَّرِيكِ، وَهَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ بِالتَّوْحِيدِ دِينٌ لِكُلِّ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَمَّا حَكَى اللَّهُ عَنْهُمْ تَكْذِيبَهُمْ بِالتَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ نَقَلَ الْكَلَامَ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى الحضور فقال: إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ كَأَنَّهُ قِيلَ فَكَيْفَ يَلِيقُ بِالرَّحِيمِ الْكَرِيمِ الْمُتَعَالِي عَنِ النَّفْعِ وَالضُّرِّ أَنْ يُعَذِّبَ عِبَادَهُ فَأَجَابَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: وَما تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْحُكْمَ يَقْتَضِي الْأَمْرَ بِالْحَسَنِ وَالطَّاعَةِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْقَبِيحِ وَالْمَعْصِيَةِ وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ لَا يَكْمُلُ الْمَقْصُودُ مِنْهُمَا/ إِلَّا بِالتَّرْغِيبِ فِي الثَّوَابِ وَالتَّرْهِيبِ بِالْعِقَابِ وَإِذَا وَقَعَ الْإِخْبَارُ عَنْهُ وَجَبَ تَحْقِيقُهُ صَوْنًا لِلْكَلَامِ عَنِ الْكَذِبِ، فَلِهَذَا السَّبَبِ وَقَعُوا فِي الْعَذَابِ ثُمَّ قَالَ: إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ يَعْنِي وَلَكِنَّ عِبَادَ اللَّهِ [الْمُخْلَصِينَ نَاجُونَ وَهُوَ] مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ المنقطع.

[سورة الصافات (٣٧) : الآيات ٤١ الى ٥٠]

أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (٤١) فَواكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (٤٢) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٤٣) عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (٤٤) يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (٤٥)

بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (٤٦) لَا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ (٤٧) وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ (٤٨) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (٤٩) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٥٠)


(١) وصدق المرسلون في المصحف مرفوعة بالواو والنون. ولكن المفسر جرى في تفسيره على أنها منصوبة بالياء والنون ومعنى قراءة الرفع أن المرسلين صدقوا في كل ما أخبروا به وإنما شدد الدال من صدق للمبالغة في وصفهم بالصدق.
وقراءة الرفع عامة تشمل جميع الأنبياء ومنهم محمد، وأما قراءة النصب فلا تشمل نبينا عليه السلام إذ يكون الخطاب عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>