للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه هُوَ الطَّيِّبُ مِنَ الْقَوْلِ لِقَوْلِهِ: مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً [إِبْرَاهِيمَ: ٢٤] وَقَوْلِهِ: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ [فَاطِرٍ: ١٠] وَهُوَ صِرَاطُ الْحَمِيدِ لِقَوْلِهِ: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشُّورَى: ٥٢] ، وَثَانِيهَا: قَالَ السُّدِّيُّ (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ) هُوَ الْقُرْآنُ: وَثَالِثُهَا: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ هُوَ قَوْلُهُمْ الْحَمْدُ للَّه الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ. وَرَابِعُهَا: أَنَّهُمْ إِذَا سَارُوا إِلَى الدَّارِ الْآخِرَةِ هُدُوا إِلَى الْبِشَارَاتِ الَّتِي تَأْتِيهِمْ مِنْ قِبَلِ اللَّه تَعَالَى بِدَوَامِ النَّعِيمِ وَالسُّرُورِ وَالسَّلَامِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلُهُ: وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ/ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرَّعْدِ: ٢٣، ٢٤] وَعِنْدِي فِيهِ وَجْهٌ. خَامِسٌ: وَهُوَ أَنَّ الْعَلَاقَةَ الْبَدَنِيَّةَ جَارِيَةٌ مَجْرَى الْحِجَابِ لِلْأَرْوَاحِ الْبَشَرِيَّةِ فِي الِاتِّصَالِ بِعَالَمِ الْقُدُسِ فَإِذَا فَارَقَتْ أَبْدَانَهَا انْكَشَفَ الْغِطَاءُ وَلَاحَتِ الْأَنْوَارُ الْإِلَهِيَّةُ، وَظُهُورُ تِلْكَ الْأَنْوَارِ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ وَالتَّعْبِيرُ عَنْهَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ.

[[سورة الحج (٢٢) : آية ٢٥]]

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٢٥)

اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ فَصَلَ بَيْنَ الْكُفَّارِ وَالْمُؤْمِنِينَ ذَكَرَ عِظَمَ حُرْمَةِ الْبَيْتِ وَعِظَمَ كُفْرِ هَؤُلَاءِ فَقَالَ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَذَلِكَ بِالْمَنْعِ مِنَ الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَأْبَوْنَ ذَلِكَ. وَفِيهِ إِشْكَالٌ وَهُوَ أَنَّهُ كَيْفَ عَطَفَ الْمُسْتَقْبَلَ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ الْمَاضِي وَهُوَ قَوْلُهُ: كَفَرُوا وَالْجَوَابُ: عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يُقَالُ فُلَانٌ يُحْسِنُ إِلَى الْفُقَرَاءِ وَيُعِينُ الضُّعَفَاءَ لَا يُرَادُ بِهِ حَالٌ وَلَا اسْتِقْبَالٌ وَإِنَّمَا يُرَادُ اسْتِمْرَارُ وُجُودِ الْإِحْسَانِ مِنْهُ فِي جَمِيعِ أَزْمِنَتِهِ وَأَوْقَاتِهِ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ شَأْنِهِمُ الصَّدُّ عَنْ سَبِيلِ اللَّه، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ. [الرَّعْدِ:

٢٨] وَثَانِيهِمَا: قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ التَّقْدِيرُ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فِيمَا مَضَى وَهُمُ الْآنَ يَصُدُّونَ وَيَدْخُلُ فِيهِ أَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي الْحَالِ وَالْمُسْتَقْبَلِ، أَمَّا قَوْلُهُ: وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ يَعْنِي وَيَصُدُّوهُمْ «١» أَيْضًا عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ،

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا نَزَلَتْ الْآيَةُ فِي أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَأَصْحَابِهِ حِينَ صَدُّوا رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَنْ أَنْ يَحُجُّوا وَيَعْتَمِرُوا وَيَنْحَرُوا الْهَدْيَ فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِتَالَهُمْ وَكَانَ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ ثُمَّ صَالَحُوهُ عَلَى أَنْ يَعُودَ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ.

أَمَّا قَوْلُهُ: الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ فَفِيهِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ أَيْ جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ مَنْسَكًا وَمُتَعَبَّدًا وَقَوْلُهُ: سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ رُفِعَ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مُقَدَّمٌ أَيِ الْعَاكِفُ وَالْبَادِ فِيهِ سَوَاءٌ، وَتَقْدِيرُ الْآيَةِ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ مَنْسَكًا فَالْعَاكِفُ وَالْبَادِي فِيهِ سَوَاءٌ وَقَرَأَ عَاصِمٌ وَيَعْقُوبُ (سَوَاءً) بِالنَّصْبِ بِإِيقَاعِ الْجَعْلِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْجَعْلَ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ واللَّه أَعْلَمُ.

المسألة الثَّانِيَةُ: الْعَاكِفُ الْمُقِيمُ بِهِ الْحَاضِرُ. وَالْبَادِي الطَّارِئُ مِنَ الْبَدْوِ وَهُوَ النازع إليه من غربته، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَدْخُلُ فِي الْعَاكِفِ الْقَرِيبُ إِذَا جَاوَرَ وَلَزِمَهُ لِلتَّعَبُّدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أهله.


(١) الصواب: ويصدونهم لأنه لا داعي لحذف النون لعدم وجود ناصب أو جازم.

<<  <  ج: ص:  >  >>