للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسألة الثانية: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : قُرِئَ رَشَدَهُ كَالْعَدَمِ وَالْعُدْمِ، وَمَعْنَى إِضَافَتِهِ إِلَيْهِ أَنَّهُ رُشْدٌ مِثْلُهُ وَأَنَّهُ رُشْدٌ لَهُ شَأْنٌ.

أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: مِنْ قَبْلُ فَفِيهِ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ نُبُوَّتَهُ وَاهْتِدَاءَهُ مِنْ قَبْلِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ جَرِيرٍ. وَثَانِيهَا: فِي صِغَرِهِ قَبْلَ بُلُوغِهِ حِينَ كَانَ فِي السِّرْبِ وَظَهَرَتْ لَهُ الْكَوَاكِبُ فَاسْتَدَلَّ بِهَا.

وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ حَمَلَ الرُّشْدَ عَلَى الِاهْتِدَاءِ وَإِلَّا لَزِمَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِنُبُوَّتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَبْلَ الْبُلُوغِ عَنْ مُقَاتِلٍ.

وَثَالِثُهَا: يَعْنِي حِينَ كَانَ فِي صُلْبِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ أَخَذَ اللَّه مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا فِي رِوَايَةِ الضَّحَّاكِ.

أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ فَالْمُرَادُ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ عَلِمَ مِنْهُ أَحْوَالًا بَدِيعَةً وَأَسْرَارًا عَجِيبَةً وَصِفَاتٍ قَدْ رَضِيَهَا حَتَّى أَهَّلَهُ لِأَنْ يَكُونَ خَلِيلًا لَهُ، وَهَذَا كَقَوْلِكَ فِي رَجُلٍ كَبِيرٍ: أَنَا عَالِمٌ بِفُلَانٍ فَإِنَّ هَذَا الْكَلَامَ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى تَعْظِيمِهِ أَدَلُّ مِمَّا إِذَا شَرَحْتَ جَلَالَ كَمَالِهِ.

أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ فَقَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : إِذْ إِمَّا أَنْ تَتَعَلَّقَ بِآتَيْنَا أَوْ بِرُشْدِهِ أَوْ بِمَحْذُوفٍ أَيِ اذْكُرْ مِنْ أَوْقَاتِ رُشْدِهِ هَذَا الْوَقْتَ.

أَمَّا قَوْلُهُ: مَا هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ فَفِيهِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: التِّمْثَالُ اسْمٌ لِلشَّيْءِ الْمَصْنُوعِ مُشَبَّهًا بِخَلْقٍ مِنْ خَلْقِ اللَّه تَعَالَى، وَأَصْلُهُ مِنْ مَثَّلْتُ الشَّيْءَ بِالشَّيْءِ إِذَا شَبَّهْتَهُ بِهِ وَاسْمُ ذَلِكَ الْمُمَثَّلِ تِمْثَالٌ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا عُبَّادَ أَصْنَامٍ عَلَى صُوَرٍ مَخْصُوصَةٍ كَصُورَةِ الْإِنْسَانِ أَوْ غَيْرِهِ، فَجَعَلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ هَذَا الْقَوْلَ مِنْهُ ابْتِدَاءَ كَلَامِهِ لِيَنْظُرَ فِيمَا عَسَاهُمْ يُورِدُونَهُ مِنْ شُبْهَةٍ فَيُبْطِلَهَا عَلَيْهِمْ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : لَمْ يَنْوِ لِلْعَاكِفِينَ مَفْعُولًا وَأَجْرَاهُ مَجْرَى مَا لَا يَتَعَدَّى كَقَوْلِكَ فَاعِلُونَ لِلْعُكُوفِ أَوْ وَاقِفُونَ لَهَا، قَالَ: فَإِنْ قُلْتَ هَلَّا قِيلَ عَلَيْهَا عَاكِفُونَ كَقَوْلِهِ: يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ؟

قُلْتُ: لَوْ قَصَدَ التَّعْدِيَةَ لَعَدَّاهُ بِصِلَتِهِ الَّتِي هِيَ عَلَى.

أَمَّا قَوْلُهُ: قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ فَاعْلَمْ أَنَّ الْقَوْمَ لَمْ يَجِدُوا فِي جَوَابِهِ إِلَّا طَرِيقَةَ التَّقْلِيدِ الَّذِي يُوجِبُ مزيد النكير لِأَنَّهُمْ إِذَا كَانُوا عَلَى خَطَأٍ مِنْ أَمْرِهِمْ لَمْ يَعْصِمْهُمْ مِنْ هَذَا الْخَطَأِ أَنَّ آبَاءَهُمْ أَيْضًا سَلَكُوا هَذَا الطَّرِيقَ فَلَا جَرَمَ أَجَابَهُمْ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِقَوْلِهِ: لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ فَبَيَّنَ أَنَّ الْبَاطِلَ لَا يَصِيرُ حَقًّا بِسَبَبِ كَثْرَةِ الْمُتَمَسِّكِينَ بِهِ، فَلَمَّا حَقَّقَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَجِدُوا مِنْ كَلَامِهِ مَخْلَصًا وَرَأَوْهُ ثَابِتًا عَلَى الْإِنْكَارِ قَوِيَّ الْقَلْبِ فِيهِ وَكَانُوا يَسْتَبْعِدُونَ أَنْ يَجْرِيَ مِثْلُ هَذَا الْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ مَعَ كَثْرَتِهِمْ وَطُولِ الْعَهْدِ بِمَذْهَبِهِمْ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالُوا لَهُ: أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ مُوهِمِينَ بِهَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى الْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ جَادًّا فِي ذَلِكَ فَعِنْدَهُ عَدَلَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَيَانِ التَّوْحِيدِ.

[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٥٦ الى ٦٠]

قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٥٦) وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (٥٧) فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (٥٨) قالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (٥٩) قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ (٦٠)

<<  <  ج: ص:  >  >>