لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، فَكَذَلِكَ يُدْرِكُ الْمَسْمُوعَ وَالْمُبْصَرَ، وَلَا يَجُوزُ الْمَنْعُ عَلَيْهِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ كَالتَّحْذِيرِ مِنَ الْإِقْدَامِ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ فِي الْمَسْمُوعِ وَالْمُبْصَرِ.
السُّؤَالُ التَّاسِعُ: مَا مَعْنَى قَوْلِهِ: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَيُّ تَعَلُّقٍ لَهُ بِمَا تَقَدَّمَ؟ الْجَوَابُ: فِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ الْوَصْفَ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنَ الْقُدْرَةِ عَلَى هَذِهِ الْأُمُورِ إِنَّمَا حَصَلَ لِأَجْلِ أَنَّ اللَّه هُوَ الْحَقُّ أَيْ هُوَ الْمَوْجُودُ الْوَاجِبُ لِذَاتِهِ الَّذِي يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ التَّغَيُّرُ وَالزَّوَالُ فَلَا جَرَمَ أَتَى بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ ثَانِيهِمَا: أَنَّ مَا يُفْعَلُ مِنْ عِبَادَتِهِ هُوَ الْحَقُّ وَمَا يُفْعَلُ مِنْ عِبَادَةِ غَيْرِهِ فَهُوَ الْبَاطِلُ كَمَا قَالَ: لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ [غَافِرٍ: ٤٣] .
السُّؤَالُ الْعَاشِرُ: أَيُّ تَعَلُّقٍ لِقَوْلِهِ: وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ بِمَا تَقَدَّمَ؟ وَالْجَوَابُ: مَعْنَى الْعَلِيِّ الْقَاهِرُ الْمُقْتَدِرُ الَّذِي لَا يُغْلَبُ فَنَبَّهَ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ الْقَادِرُ عَلَى الضُّرِّ وَالنَّفْعِ دُونَ سَائِرِ مَنْ يُعْبَدُ مُرَغِّبًا بِذَلِكَ فِي عِبَادَتِهِ زَاجِرًا عَنْ عِبَادَةِ غَيْرِهِ، فَأَمَّا الْكَبِيرُ فَهُوَ الْعَظِيمُ فِي قُدْرَتِهِ وَسُلْطَانِهِ، وَذَلِكَ أَيْضًا يُفِيدُ كَمَالَ الْقُدْرَةِ.
المسألة الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِخْبَارٌ عَنِ الْغَيْبِ فَإِنَّهُ وَجَدَ مُخْبِرَهُ كَمَا أُخْبِرَ فَكَانَ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ.
المسألة الرَّابِعَةُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّه: مَنْ حَرَقَ حَرَقْنَاهُ، وَمَنْ غَرَّقَ غَرَّقْنَاهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّه:
بَلْ يُقْتَلُ بِالسَّيْفِ. وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّه بِهَذِهِ الْآيَةِ، فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى جَوَّزَ لِلْمَظْلُومِ أَنْ يُعَاقِبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ وَوَعَدَهُ النَّصْرَ عَلَيْهِ.
المسألة الْخَامِسَةُ: قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ تدعون بالتاء هاهنا وفي لقمان وفي المؤمنين وَفِي الْعَنْكَبُوتِ.
وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو كُلَّهَا بِالْيَاءِ عَلَى الْخَبَرِ، وَالْعَرَبُ قَدْ تَنْصَرِفُ مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْإِخْبَارِ وَمِنَ الْإِخْبَارِ إِلَى الخطاب.
[سورة الحج (٢٢) : الآيات ٦٣ الى ٦٦]
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (٦٣) لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٦٤) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٦٥) وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ (٦٦)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا دَلَّ عَلَى قُدْرَتِهِ مِنْ قَبْلُ بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ وُلُوجِ اللَّيْلِ فِي النَّهَارِ وَنَبَّهَ بِهِ عَلَى نِعَمِهِ، أَتْبَعَهُ بِأَنْوَاعٍ أُخَرَ مِنَ الدَّلَائِلِ عَلَى قُدْرَتِهِ وَنِعْمَتِهِ وَهِيَ سِتَّةٌ.
أَوَّلُهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
المسألة الْأُولَى: ذَكَرُوا فِي قَوْلِهِ: أَلَمْ تَرَ وُجُوهًا ثَلَاثَةً: أَحَدُهَا: أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الرُّؤْيَةُ الْحَقِيقِيَّةُ، قَالُوا لِأَنَّ الْمَاءَ النَّازِلَ مِنَ السَّمَاءِ يُرَى بِالْعَيْنِ وَاخْضِرَارُ النَّبَاتِ عَلَى الْأَرْضِ مَرْئِيٌّ، وَإِذَا أُمْكِنَ حَمْلُ الْكَلَامِ عَلَى