للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْجَوَابُ: أَنَّا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِي الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الْحَلِيفَ يَرِثُ، بَلْ بَيَّنَّا أَنَّ الْآيَةَ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرِثُ، وَبَيَّنَّا أَنَّ الْقَوْلَ بِهَذَا النَّسْخِ بَاطِلٌ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً وَهُوَ كَلِمَةُ وَعْدٍ لِلْمُطِيعِينَ، وَكَلِمَةُ وَعِيدٍ لِلْعُصَاةِ وَالشَّهِيدُ الشَّاهِدُ وَالْمُشَاهِدُ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ إِمَّا عِلْمُهُ تَعَالَى بِجَمِيعِ الْجُزْئِيَّاتِ وَالْكُلِّيَّاتِ، وَإِمَّا شَهَادَتُهُ عَلَى الْخَلْقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِكُلِّ مَا عَمِلُوهُ. وَعَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ: الشَّهِيدُ هُوَ الْعَالِمُ، وعلى التقدير الثاني: هو المخبر.

[[سورة النساء (٤) : آية ٣٤]]

الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً (٣٤)

اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ: وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ [النساء: ٣٢] وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ النِّسَاءَ تَكَلَّمْنَ فِي تَفْضِيلِ اللَّه الرِّجَالَ عَلَيْهِنَّ فِي الْمِيرَاثِ، فَذَكَرَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ إِنَّمَا فَضَّلَ الرِّجَالَ عَلَى النِّسَاءِ فِي الْمِيرَاثِ، لِأَنَّ الرِّجَالَ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ، فَإِنَّهُمَا وَإِنِ اشْتَرَكَا فِي اسْتِمْتَاعِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ، أَمَرَ اللَّه الرِّجَالَ أَنْ يَدْفَعُوا إِلَيْهِنَّ الْمَهْرَ، وَيُدِرُّوا عَلَيْهِنَّ النَّفَقَةَ فَصَارَتِ الزِّيَادَةُ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ مُقَابَلَةً بِالزِّيَادَةِ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ، فَكَأَنَّهُ لَا فَضْلَ الْبَتَّةَ، فَهَذَا هُوَ بيان كيفية النظم. [في قَوْلُهُ تَعَالَى الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ] وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْقِوَامُ اسْمٌ لِمَنْ يَكُونُ مُبَالِغًا فِي الْقِيَامِ بِالْأَمْرِ، يُقَالُ: هَذَا قَيِّمُ الْمَرْأَةِ وَقِوَامُهَا لِلَّذِي يَقُومُ بِأَمْرِهَا وَيَهْتَمُّ بِحِفْظِهَا.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي بِنْتِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ وَزَوْجِهَا سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ أَحَدِ نُقَبَاءِ الْأَنْصَارِ، فَإِنَّهُ لَطَمَهَا لَطْمَةً فَنَشَزَتْ عَنْ فِرَاشِهِ وَذَهَبَتْ إِلَى الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَذَكَرَتْ هَذِهِ الشِّكَايَةَ، وَأَنَّهُ لَطَمَهَا وَأَنَّ أَثَرَ اللَّطْمَةِ بَاقٍ فِي وَجْهِهَا، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «اقْتَصِّي مِنْهُ ثُمَّ قَالَ لَهَا اصْبِرِي حَتَّى أَنْظُرَ» فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ

أَيْ مُسَلَّطُونَ عَلَى أَدَبِهِنَّ وَالْأَخْذِ فَوْقَ أَيْدِيهِنَّ، فَكَأَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَهُ أَمِيرًا عَلَيْهَا وَنَافِذَ الْحُكْمِ فِي حَقِّهَا،

فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرَدْنَا أَمْرًا وَأَرَادَ اللَّه أَمْرًا وَالَّذِي أَرَادَ اللَّه خَيْرٌ»

وَرَفَعَ الْقِصَاصَ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَثْبَتَ لِلرِّجَالِ سَلْطَنَةً عَلَى النِّسَاءِ وَنَفَاذَ أَمْرٍ عَلَيْهِنَّ بَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ مُعَلَّلٌ بِأَمْرَيْنِ، أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ [النساء:

٣٤] .

واعلم أن فضل الرجل عَلَى النِّسَاءِ حَاصِلٌ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، بَعْضُهَا صِفَاتٌ حَقِيقِيَّةٌ، وَبَعْضُهَا أَحْكَامٌ شَرْعِيَّةٌ، أَمَّا الصِّفَاتُ الْحَقِيقِيَّةُ فَاعْلَمْ أَنَّ الْفَضَائِلَ الْحَقِيقِيَّةَ يَرْجِعُ حَاصِلُهَا إِلَى أَمْرَيْنِ: إِلَى الْعِلْمِ، وَإِلَى الْقُدْرَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ عُقُولَ الرِّجَالِ وَعُلُومَهُمْ أَكْثَرُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ قُدْرَتَهُمْ عَلَى الْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ أَكْمَلُ، فَلِهَذَيْنِ السَّبَبَيْنِ حَصَلَتِ الْفَضِيلَةُ لِلرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ فِي الْعَقْلِ وَالْحَزْمِ وَالْقُوَّةِ، وَالْكِتَابَةِ فِي الْغَالِبِ وَالْفُرُوسِيَّةِ وَالرَّمْيِ، وَإِنَّ مِنْهُمُ الْأَنْبِيَاءَ وَالْعُلَمَاءَ، وَفِيهِمُ الْإِمَامَةُ الْكُبْرَى وَالصُّغْرَى وَالْجِهَادُ وَالْأَذَانُ وَالْخُطْبَةُ وَالِاعْتِكَافُ وَالشَّهَادَةُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ بِالِاتِّفَاقِ، وَفِي الْأَنْكِحَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، وَزِيَادَةُ النَّصِيبِ فِي الْمِيرَاثِ وَالتَّعْصِيبُ فِي الْمِيرَاثِ، وَفِي تَحَمُّلِ الدِّيَةِ فِي الْقَتْلِ وَالْخَطَأِ، وَفِي الْقَسَامَةِ وَالْوِلَايَةِ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَعَدَدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>