[[سورة القلم (٦٨) : آية ٢٥]]
وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ (٢٥)
وَفِيهِ أَقْوَالٌ: الْأَوَّلُ: الْحَرْدُ الْمَنْعُ يُقَالُ: حَارَدَتِ السَّنَةُ إِذَا قَلَّ مَطَرُهَا وَمَنَعَتْ رِيعَهَا، وَحَارَدَتِ النَّاقَةُ إِذَا مَنَعَتْ لَبَنَهَا فَقَلَّ اللَّبَنُ، وَالْحَرْدُ الْغَضَبُ، وَهُمَا لُغَتَانِ الْحَرَدُ وَالْحَرْدُ وَالتَّحْرِيكُ أَكْثَرُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْغَضَبُ بِالْحَرْدِ لِأَنَّهُ كَالْمَانِعِ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ الْمَغْضُوبُ مِنْهُ فِي الْوُجُودِ، وَالْمَعْنَى وَغَدَوْا وَكَانُوا عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ وَفِي ظَنِّهِمْ قَادِرِينَ عَلَى مَنْعِ الْمَسَاكِينِ الثَّانِي: قِيلَ: الْحَرْدُ الْقَصْدُ وَالسُّرْعَةُ، يُقَالُ: حَرَدْتُ حَرْدَكَ قَالَ الشَّاعِرُ:
أَقْبَلَ سَيْلٌ جَاءَ مِنْ أَمْرِ اللَّهْ ... يَحْرِدُ حَرْدَ الْجَنَّةِ الْمُغِلَّهْ
وَقَطًا حِرَادٌ أَيْ سِرَاعٌ، يَعْنِي وَغَدَوْا قَاصِدِينَ إِلَى جَنَّتِهِمْ بِسُرْعَةٍ وَنَشَاطٍ قَادِرِينَ عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ يَقُولُونَ: نَحْنُ نَقْدِرُ عَلَى صِرَامِهَا، وَمَنْعِ مَنْفَعَتِهَا عَنِ الْمَسَاكِينِ وَالثَّالِثُ: قِيلَ: حَرْدٌ عَلَمٌ لِتِلْكَ الْجَنَّةِ أَيْ غَدَوْا عَلَى تِلْكَ الْجَنَّةِ قَادِرِينَ عَلَى صِرَامِهَا عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ، أَوْ مُقَدِّرِينَ أَنْ يَتِمَّ لهم مرادهم من الصرام والحرمان.
[سورة القلم (٦٨) : الآيات ٢٦ الى ٢٧]
فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (٢٦) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (٢٧)
فِيهِ وُجُوهٌ أَحَدُهَا: أَنَّهُمْ لَمَّا رَأَوْا جنتهم محترقة ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا الطَّرِيقَ فَقَالُوا: إِنَّا لَضَالُّونَ ثُمَّ لَمَّا تَأَمَّلُوا وَعَرَفُوا أَنَّهَا هِيَ قَالُوا: بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ حُرِمْنَا خَيْرُهَا بِشُؤْمِ عَزْمِنَا عَلَى الْبُخْلِ وَمَنْعِ الْفُقَرَاءِ وَثَانِيهَا:
يَحْتَمِلُ/ أَنَّهُمْ لَمَّا رَأَوْا جَنَّتَهُمْ مُحْتَرِقَةً قَالُوا: إِنَّا لَضَالُّونَ حَيْثُ كُنَّا عَازِمِينَ عَلَى مَنْعِ الْفُقَرَاءِ، وَحَيْثُ كُنَّا نَعْتَقِدُ كَوْنَنَا قَادِرِينَ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِهَا، بَلِ الْأَمْرُ انْقَلَبَ عَلَيْنَا فَصِرْنَا نَحْنُ المحرومين.
[[سورة القلم (٦٨) : آية ٢٨]]
قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ (٢٨)
قَوْلُهُ تَعَالَى: قالَ أَوْسَطُهُمْ يَعْنِي أَعْدَلُهُمْ وَأَفْضَلُهُمْ وَبَيَّنَّا وَجْهَهُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: أُمَّةً وَسَطاً [البقرة:
١٤٣] . أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ يَعْنِي هَلَّا تُسَبِّحُونَ وَفِيهِ وُجُوهٌ الْأَوَّلُ: قَالَ الْأَكْثَرُونَ مَعْنَاهُ هَلَّا تَسْتَثْنُونَ فَتَقُولُونَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا عَابَهُمْ بِأَنَّهُمْ لَا يَسْتَثْنُونَ، وَإِنَّمَا جَازَ تَسْمِيَةُ قَوْلِ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِالتَّسْبِيحِ لِأَنَّ التَّسْبِيحَ عِبَارَةٌ عَنْ تَنْزِيهِ اللَّهِ عَنْ كُلِّ سُوءٍ، فَلَوْ دَخَلَ شَيْءٌ فِي الْوُجُودِ عَلَى خِلَافِ إِرَادَةِ اللَّهِ، لَكَانَ ذَلِكَ يُوجِبُ عَوْدَةَ نَقْصٍ إِلَى قُدْرَةِ اللَّهِ، فَقَوْلُكَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، يُزِيلُ هَذَا النَّقْصَ، فَكَانَ ذَلِكَ تَسْبِيحًا.
وَاعْلَمْ أَنَّ لَفْظَ الْقُرْآنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا يَحْلِفُونَ وَيَتْرُكُونَ الِاسْتِثْنَاءَ وَكَانَ أَوْسَطُهُمْ يَنْهَاهُمْ عَنْ تَرْكِ الِاسْتِثْنَاءِ وَيُخَوِّفُهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، فَلِهَذَا حَكَى عَنْ ذَلِكَ الْأَوْسَطِ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ وُقُوعِ الْوَاقِعَةِ: أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ. الثَّانِي: أَنَّ الْقَوْمَ حِينَ عَزَمُوا عَلَى مَنْعِ الزَّكَاةِ وَاغْتَرُّوا بِمَالِهِمْ وَقُوَّتِهِمْ قَالَ الْأَوْسَطُ لَهُمْ: تُوبُوا عَنْ هَذِهِ الْمَعْصِيَةِ قَبْلَ نُزُولِ الْعَذَابِ، فَلَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ ذَكَّرَهُمْ ذَلِكَ الْكَلَامَ الْأَوَّلَ وَقَالَ: لَوْلا تُسَبِّحُونَ فَلَا جَرَمَ اشْتَغَلَ الْقَوْمُ فِي الْحَالِ بِالتَّوْبَةِ و:
[[سورة القلم (٦٨) : آية ٢٩]]
قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٢٩)
فَتَكَلَّمُوا بِمَا كَانَ يَدْعُوهُمْ إِلَى التَّكَلُّمِ بِهِ لَكِنْ بَعْدَ خَرَابِ الْبَصْرَةِ الثَّالِثُ: قَالَ الْحَسَنُ: هَذَا التسبيح هو