للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَعِي فِي الْقِتَالِ، فَخَرَجَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ قَوْمٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، قِيلَ كَانُوا سَبْعِينَ رَجُلًا حَتَّى بَلَغُوا حَمْرَاءَ الْأَسَدِ وَهُوَ مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ، فَأَلْقَى اللَّهُ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ الْمُشْرِكِينَ فَانْهَزَمُوا، وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَحْمِلُ صَاحِبَهُ عَلَى عُنُقِهِ سَاعَةً، ثُمَّ كَانَ الْمَحْمُولُ يَحْمِلُ الْحَامِلَ سَاعَةً أُخْرَى، وَكَانَ كُلُّ ذَلِكَ لِإِثْخَانِ الْجِرَاحَاتِ فِيهِمْ، وَكَانَ فِيهِمْ مَنْ يَتَوَكَّأُ عَلَى صَاحِبِهِ سَاعَةً، وَيَتَوَكَّأُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ سَاعَةً. وَالثَّانِي:

قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَصَمُّ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي يَوْمِ أُحُدٍ لَمَّا رَجَعَ النَّاسُ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْهَزِيمَةِ فَشَدَّ بِهِمْ عَلَى الْمُشْرِكِينَ حَتَّى كَشَفَهُمْ، وَكَانُوا قَدْ هَمُّوا بِالْمُثْلَةِ فَدَفَعَهُمْ عَنْهَا بَعْدَ أَنْ مَثَّلُوا بِحَمْزَةَ، فَقَذَفَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَانْهَزَمُوا، وَصَلَّى عَلَيْهِمْ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَفَنَهُمْ بِدِمَائِهِمْ، وَذَكَرُوا/ أَنَّ صَفِيَّةَ جَاءَتْ لِتَنْظُرَ إِلَى أَخِيهَا حَمْزَةَ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِلزُّبَيْرِ: رُدَّهَا لِئَلَّا تَجْزَعَ مِنْ مُثْلَةِ أَخِيهَا، فَقَالَتْ: قَدْ بَلَغَنِي مَا فُعِلَ بِهِ وَذَلِكَ يَسِيرٌ فِي جَنْبِ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ لِلزُّبَيْرِ: فَدَعْهَا تَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَتْ خَيْرًا وَاسْتَغْفَرَتْ لَهُ. وَجَاءَتِ امْرَأَةٌ قَدْ قُتِلَ زَوْجُهَا وَأَبُوهَا وَأَخُوهَا وَابْنُهَا فَلَمَّا رَأَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ حَيٌّ قَالَتْ: إِنَّ كُلَّ مُصِيبَةٍ بَعْدَكَ هَدَرٌ،

فَهَذَا مَا قِيلَ فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: اسْتَجَابَ: بِمَعْنَى أَجَابَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي [البقرة: ١٨٦] وَقِيلَ: أَجَابَ، فَعَلَ الْإِجَابَةَ وَاسْتَجَابَ طَلَبَ أَنْ يَفْعَلَ الْإِجَابَةَ، لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الِاسْتِفْعَالِ طَلَبُ الْفِعْلِ، وَالْمَعْنَى أَجَابُوا وَأَطَاعُوا اللَّهَ فِي أَوَامِرِهِ وَأَطَاعُوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْجِرَاحَاتُ الْقَوِيَّةُ.

أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ.

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي قَوْلِهِ: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: أَحْسَنُوا دَخَلَ تَحْتَهُ الِائْتِمَارُ بِجَمِيعِ الْمَأْمُورَاتِ، وَقَوْلُهُ: وَاتَّقَوْا دَخَلَ تَحْتَهُ الِانْتِهَاءُ عَنْ جَمِيعِ الْمَنْهِيَّاتِ، وَالْمُكَلَّفُ عِنْدَ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ يَسْتَحِقُّ الثَّوَابَ الْعَظِيمَ. الثَّانِي: أَحْسَنُوا فِي طَاعَةِ الرَّسُولِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَاتَّقَوُا اللَّهَ فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الرَّسُولِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُمُ الِاسْتِجَابَةُ لِلرَّسُولِ وَإِنْ بَلَغَ الْأَمْرُ بِهِمْ فِي الْجِرَاحَاتِ مَا بَلَغَ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَتَمَكَّنُوا مَعَهُ مِنَ النُّهُوضِ. الثَّالِثُ: أَحْسَنُوا: فِيمَا أَتَوْا بِهِ مِنْ طَاعَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاتَّقَوُا ارْتِكَابَ شَيْءٍ مِنَ الْمَنْهِيَّاتِ بَعْدَ ذَلِكَ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ «مِنْ» فِي قَوْلِهِ: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ لِلتَّبْيِينِ لِأَنَّ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ قَدْ أَحْسَنُوا واتقوا كلهم لا بعضهم.

[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٧٣ الى ١٧٤]

الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (١٧٣) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (١٧٤)

[في قَوْلُهُ تَعَالَى الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ] وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ.

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ الصُّغْرَى،

رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ لَمَّا عَزَمَ عَلَى أَنْ يَنْصَرِفَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ نَادَى: يَا مُحَمَّدُ مَوْعِدُنَا مَوْسِمَ بَدْرٍ الصُّغْرَى فَنَقْتَتِلُ بِهَا إِنْ شِئْتَ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِعُمَرَ: قُلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَلَمَّا حَضَرَ الْأَجَلُ خَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ مَعَ قَوْمِهِ حَتَّى نَزَلَ بِمَرِّ