للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَعَالَى لَمَّا شَرَحَ تَفَاصِيلَ إِنْعَامِهِ عَلَيْهِ قَالَ: إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَالْمَعْنَى أَنَّا إِنَّمَا خَصَصْنَا نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ بِتِلْكَ التَّشْرِيفَاتِ الرَّفِيعَةِ مِنْ جَعْلِ الدُّنْيَا مَمْلُوءَةً مِنْ ذُرِّيَّتِهِ وَمِنْ تَبْقِيَةِ ذِكْرِهِ الْحَسَنِ فِي أَلْسِنَةِ جَمِيعِ الْعَالَمِينَ لِأَجْلِ أَنَّهُ كَانَ مُحْسِنًا، ثُمَّ عَلَّلَ كَوْنَهُ مُحْسِنًا بِأَنَّهُ كَانَ عَبْدًا لِلَّهِ مُؤْمِنًا، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ بَيَانُ أَنَّ أَعْظَمَ الدَّرَجَاتِ وَأَشْرَفَ الْمَقَامَاتِ الإيمان بالله والانقياد لطاعته.

[سورة الصافات (٣٧) : الآيات ٨٣ الى ٩٤]

وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ (٨٣) إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٤) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (٨٥) أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (٨٦) فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٨٧)

فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (٨٨) فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ (٨٩) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (٩٠) فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ (٩١) مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ (٩٢)

فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ (٩٣) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (٩٤)

القصة الثانية- قصة إبراهيم عليه السلام

فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ مِنْ شِيعَتِهِ إِلَى مَاذَا يَعُودُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ عَائِدٌ إِلَى نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَيْ مِنْ شِيعَةِ نُوحٍ أَيْ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَعَلَى دِينِهِ وَمِنْهَاجِهِ لَإِبْرَاهِيمَ، قَالُوا وَمَا كَانَ بَيْنَ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ إِلَّا نَبِيَّانِ هُودٌ وَصَالِحٌ، وَرَوَى صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» إِنَّهُ كَانَ بَيْنَ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ أَلْفَانِ وَسِتُّمِائَةٍ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً الثَّانِي: قَالَ الْكَلْبِيُّ الْمُرَادُ مِنْ شِيعَةِ مُحَمَّدٍ لَإِبْرَاهِيمَ بِمَعْنَى أَنَّهُ كَانَ عَلَى دِينِهِ وَمِنْهَاجِهِ فَهُوَ مِنْ شِيعَتِهِ وَإِنْ كَانَ سَابِقًا لَهُ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ ذِكْرُ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَوْدُ الضَّمِيرِ إِلَى نُوحٍ أَوْلَى.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْعَامِلُ فِي إِذْ مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ مِنْ مَعْنَى الْمُشَايَعَةِ يَعْنِي وَإِنَّ مِمَّنْ شَايَعَهُ عَلَى دِينِهِ وَتَقْوَاهُ حِينَ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ لَإِبْرَاهِيمَ.

أَمَّا قَوْلُهُ: إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ فَفِيهِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي قَوْلِهِ: بِقَلْبٍ سَلِيمٍ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: قَالَ مُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ يَعْنِي خَالِصٌ مِنَ الشَّرَكِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>