الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ سُعِدُوا بِضَمِّ السِّينِ وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا وَإِنَّمَا جَازَ ضَمُّ السِّينِ لِأَنَّهُ عَلَى حَذْفِ الزِّيَادَةِ مِنْ أَسْعَدَ وَلِأَنَّ سَعِدَ لَا يَتَعَدَّى وَأَسْعَدَ يَتَعَدَّى وَسَعِدَ وَأَسْعَدَ بِمَعْنًى وَمِنْهُ الْمَسْعُودُ مِنْ أَسْمَاءِ الرِّجَالِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الِاسْتِثْنَاءُ فِي بَابِ السُّعَدَاءِ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى أَحَدِ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ فيما تقدم وهاهنا وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ رُبَّمَا اتَّفَقَ لِبَعْضِهِمْ أَنْ يُرْفَعَ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَى الْعَرْشِ وَإِلَى الْمَنَازِلِ الرَّفِيعَةِ الَّتِي لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّه تَعَالَى.
قَالَ اللَّه تَعَالَى: وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ [التَّوْبَةِ: ٧٢] وَقَوْلُهُ: عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ فِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: جَذَّهُ يَجُذُّهُ جَذًّا إِذَا قَطَعَهُ وَجَذَّ اللَّه دَابِرَهُمْ، فَقَوْلُهُ: غَيْرَ مَجْذُوذٍ أَيْ غَيْرَ مَقْطُوعٍ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي صِفَةِ نَعِيمِ الْجَنَّةِ لَا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ [الْوَاقِعَةِ: ٣٣] .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا صَرَّحَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ كَوْنَ هَذِهِ الْحَالَةِ مُنْقَطِعَةً، فَلَمَّا خَصَّ هَذَا الْمَوْضِعَ بِهَذَا الْبَيَانِ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فِي جَانِبِ الْأَشْقِيَاءِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ ذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءِ هُوَ الِانْقِطَاعُ، فَهَذَا تَمَامُ الْكَلَامِ فِي هذه الآية.
[[سورة هود (١١) : آية ١٠٩]]
فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (١٠٩)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا شَرَحَ أَقَاصِيصَ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِأَحْوَالِ الْأَشْقِيَاءِ وَأَحْوَالِ السُّعَدَاءِ شَرَحَ لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَحْوَالَ الْكُفَّارِ مِنْ قَوْمِهِ فَقَالَ: فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ وَالْمَعْنَى: فَلَا تَكُنْ، إِلَّا أَنَّهُ حَذَفَ النُّونَ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَلِأَنَّ النُّونَ إِذَا وَقَعَ عَلَى طَرَفِ الْكَلَامِ لَمْ يَبْقَ عِنْدَ التَّلَفُّظِ بِهِ إِلَّا مُجَرَّدُ الْغُنَّةِ فَلَا جَرَمَ أَسْقَطُوهُ، وَالْمَعْنَى: فَلَا تَكُ فِي شَكٍّ مِنْ حَالِ مَا يَعْبُدُونَ فِي أَنَّهَا لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ أَشْبَهُوا آبَاءَهُمْ فِي لُزُومِ الْجَهْلِ وَالتَّقْلِيدِ.
ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ إِنَّا مُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ أَيْ مَا يَخُصُّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُمْ وَإِنْ كَفَرُوا وَأَعْرَضُوا عَنِ الْحَقِّ فَإِنَّا مُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ مِنَ الرِّزْقِ وَالْخَيْرَاتِ الدُّنْيَوِيَّةِ. وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ إِنَّا مُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ مِنْ إِزَالَةِ الْعُذْرِ وَإِزَاحَةِ الْعِلَلِ وَإِظْهَارِ الدَّلَائِلِ وَإِرْسَالِ الرُّسُلِ وَإِنْزَالِ الْكُتُبِ، وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الكل مرادا.
[سورة هود (١١) : الآيات ١١٠ الى ١١١]
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (١١٠) وَإِنَّ كُلاًّ لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١١١)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى إِصْرَارَ كُفَّارِ مَكَّةَ عَلَى إِنْكَارِ التَّوْحِيدِ، بَيَّنَ أَيْضًا إِصْرَارَهُمْ عَلَى إِنْكَارِ نُبُوَّتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَتَكْذِيبِهِمْ بِكِتَابِهِ، وَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارَ كَانُوا عَلَى/ هَذِهِ السِّيرَةِ الْفَاسِدَةِ مَعَ كل