للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: وَجَبَ أَنْ لَا يَخْرُجَ الْفَاسِقُ مِنَ النَّارِ لِأَنَّهُ لَوْ خَرَجَ لَكَانَ إِمَّا أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ أَوْ لَا يَدْخُلَهَا. وَالثَّانِي: بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ وَالْأَوَّلُ: لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ عَلَى سَبِيلِ التَّفَضُّلِ أَوْ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ لِأَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَحَدًا لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِالتَّفَضُّلِ وَالثَّانِي: أَيْضًا بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ النَّارَ وَجَبَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ كَانَ مُسْتَحِقًّا لِلْعِقَابِ فَلَوْ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْقَاقِ لَزِمَ كَوْنُهُ مُسْتَحِقًّا لِلثَّوَابِ وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ حُصُولُ الْجَمْعِ بَيْنَ اسْتِحْقَاقِ الثَّوَابِ وَاسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ وَهُوَ مُحَالٌ لِأَنَّ الثَّوَابَ مَنْفَعَةٌ دَائِمَةٌ خَالِصَةٌ عَنْ شَوَائِبِ الضَّرَرِ وَالْعِقَابَ مَضَرَّةٌ دَائِمَةٌ خَالِصَةٌ عَنْ شَوَائِبِ الْمَنْفَعَةِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُحَالٌ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الْجَمْعُ بَيْنَ حُصُولِ اسْتِحْقَاقِهِمَا مُحَالًا.

وَالْجَوَابُ: هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ لَا يَجْتَمِعَانِ. وَقَدْ بَالَغْنَا فِي إِبْطَالِ هَذَا الْكَلَامِ فِي سورة البقرة. والله اعلم.

[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٤٤ الى ٤٥]

وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا مَا وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (٤٤) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ (٤٥)

[في قَوْلُهُ تَعَالَى وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا مَا وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا] اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا شَرَحَ وَعِيدَ الْكُفَّارِ وَثَوَابَ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَالطَّاعَاتِ أَتْبَعَهُ بِذِكْرِ الْمُنَاظَرَاتِ الَّتِي تَدُورُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ وَهِيَ الْأَحْوَالُ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ.

وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ قَوْلَهُ: وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها [الأعراف: ٤٣] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمُ اسْتَقَرُّوا فِي الْجَنَّةِ فِي وَقْتِ هَذَا النِّدَاءِ فَلَمَّا قَالَ بَعْدَهُ: وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذَا النِّدَاءَ إِنَّمَا حَصَلَ بَعْدَ الِاسْتِقْرَارِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا فِي الدُّنْيَا مِنَ الثَّوَابِ حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ مِنَ الْعِقَابِ حَقًّا؟ وَالْغَرَضُ مِنْ هَذَا السُّؤَالِ إِظْهَارُ أَنَّهُ وَصْلٌ إِلَى السَّعَادَاتِ الْكَامِلَةِ وَإِيقَاعُ الْحُزْنِ فِي قَلْبِ العدو وهاهنا سُؤَالَاتٌ:

السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: إِذَا كَانَتِ الْجَنَّةُ فِي أعلى السموات وَالنَّارُ فِي أَسْفَلِ الْأَرْضِينَ فَمَعَ هَذَا الْبُعْدِ الشَّدِيدِ كَيْفَ يَصِحُّ هَذَا النِّدَاءُ؟

وَالْجَوَابُ: هَذَا يَصِحُّ عَلَى قَوْلِنَا: لِأَنَّا عِنْدَنَا الْبُعْدَ الشَّدِيدَ وَالْقُرْبَ الشَّدِيدَ لَيْسَ مِنْ مَوَانِعِ الْإِدْرَاكِ وَالْتَزَمَ الْقَاضِي ذَلِكَ وَقَالَ: إِنَّ فِي الْعُلَمَاءِ مَنْ يَقُولُ فِي الصَّوْتِ خَاصِّيَّةُ أَنَّ الْبُعْدَ فِيهِ وَحْدَهُ لَا يَكُونُ مَانِعًا مِنَ السَّمَاعِ.

السُّؤَالُ الثَّانِي: هَذَا النِّدَاءُ يَقَعُ مِنْ كُلِّ أَهْلِ الْجَنَّةِ لِكُلِّ أَهْلِ النَّارِ أَوْ مِنَ الْبَعْضِ لِلْبَعْضِ؟

وَالْجَوَابُ: أَنَّ قَوْلَهُ: وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ يُفِيدُ الْعُمُومَ وَالْجَمْعُ إِذَا قُوبِلَ بِالْجَمْعِ يُوَزَّعُ الْفَرْدُ عَلَى الْفَرْدِ وَكُلُّ فَرِيقٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ يُنَادِي مَنْ كَانَ يَعْرِفُهُ مِنَ الْكُفَّارِ فِي الدُّنْيَا.

السُّؤَالُ الثَّالِثُ: مَا مَعْنَى (أَنْ) فِي قَوْلِهِ: أَنْ قَدْ وَجَدْنا.

وَالْجَوَابُ: أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مُخَفَّفَةً مِنَ الثَّقِيلَةِ وَأَنْ تَكُونَ مُفَسِّرَةً كَالَّتِي سَبَقَتْ فِي قوله: أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ [الأعراف: ٤٣] وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>