للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بسم الله الرّحمن الرّحيم

[سورة المرسلات]

وهي خمسون آية مكية

[سورة المرسلات (٧٧) : الآيات ١ الى ٦]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً (١) فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً (٢) وَالنَّاشِراتِ نَشْراً (٣) فَالْفارِقاتِ فَرْقاً (٤)

فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً (٥) عُذْراً أَوْ نُذْراً (٦)

[في قوله تعالى وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً إلى قوله فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً] فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ الْخَمْسَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهَا جِنْسًا وَاحِدًا أَوْ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً أَمَّا الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ: فَذَكَرُوا فِيهِ وُجُوهًا الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا بِأَسْرِهَا الْمَلَائِكَةُ فَالْمُرْسَلَاتُ هُمُ الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ أَرْسَلَهُمُ اللَّهُ إِمَّا بِإِيصَالِ النِّعْمَةِ إِلَى قَوْمٍ أَوْ لِإِيصَالِ النِّقْمَةِ إِلَى آخَرِينَ، وَقَوْلُهُ: عُرْفاً فِيهِ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا:

مُتَتَابِعَةٌ كَشَعْرِ الْعُرْفِ يُقَالُ: جَاءُوا عُرْفًا وَاحِدًا وَهُمْ عَلَيْهِ كَعُرْفِ الضَّبُعِ إِذَا تَأَلَّبُوا عَلَيْهِ وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْعُرْفِ الَّذِي هُوَ نَقِيضُ النَّكِرَةِ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَةَ إِنْ كَانُوا بُعِثُوا لِلرَّحْمَةِ، فَهَذَا الْمَعْنَى فِيهِمْ ظَاهِرٌ وَإِنْ كَانُوا لِأَجْلِ الْعَذَابِ فَذَلِكَ الْعَذَابُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا لِلْكُفَّارِ، فَإِنَّهُ مَعْرُوفٌ لِلْأَنْبِيَاءِ وَالْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ انْتَقَمَ اللَّهُ لَهُمْ مِنْهُمْ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا كَأَنَّهُ قِيلَ: وَالْمُرْسَلَاتِ إِرْسَالًا أَيْ مُتَتَابِعَةً وَانْتِصَابُ عُرْفًا عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ عَلَى الْحَالِ، وَعَلَى الثَّانِي لِكَوْنِهِ مَفْعُولًا أَيْ أُرْسِلَتْ لِلْإِحْسَانِ وَالْمَعْرُوفِ وَقَوْلُهُ: فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً فِيهِ وَجْهَانِ الْأَوَّلُ: يَعْنِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَرْسَلَ أُولَئِكَ الْمَلَائِكَةَ فَهُمْ عَصَفُوا فِي طَيَرَانِهِمْ كَمَا تَعْصِفُ الرِّيَاحُ وَالثَّانِي: أن هؤلاء أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَةَ يَعْصِفُونَ بِرُوحِ الْكَافِرِ يُقَالُ: عَصَفَ بِالشَّيْءِ إِذَا أَبَادَهُ وَأَهْلَكَهُ، يُقَالُ: نَاقَةٌ عَصُوفٌ، أَيْ تَعْصِفُ بِرَاكِبِهَا فَتَمْضِي كَأَنَّهَا رِيحٌ فِي السُّرْعَةِ، وَعَصَفَتِ الْحَرْبُ بِالْقَوْمِ، أَيْ ذَهَبَتْ بِهِمْ، قَالَ الشَّاعِرُ:

فِي فَيْلَقٍ شَهْبَاءُ مَلْمُومَةٌ ... تَعْصِفُ بِالْمُقْبِلِ وَالْمُدْبِرِ

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَالنَّاشِراتِ نَشْراً مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ نَشَرُوا أَجْنِحَتَهُمْ عِنْدَ انْحِطَاطِهِمْ إِلَى الْأَرْضِ، أَوْ نَشَرُوا الشَّرَائِعَ فِي الْأَرْضِ، أَوْ نَشَرُوا الرَّحْمَةَ أَوِ الْعَذَابَ، أَوِ الْمُرَادُ الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ يَنْشُرُونَ/ الْكُتُبَ يَوْمَ الْحِسَابِ، وَهِيَ الْكُتُبُ الَّتِي فِيهَا أَعْمَالُ بَنِي آدَمَ، قَالَ تَعَالَى: وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً [الْإِسْرَاءِ: ١٣] وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدْ

<<  <  ج: ص:  >  >>