للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[سورة البقرة (٢) : آية ٢٢٠]]

فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٢٠)

[الحكم الخامس في اليتامى]

فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا قَدِ اعْتَادُوا الِانْتِفَاعَ بِأَمْوَالِ الْيَتَامَى وَرُبَّمَا تَزَوَّجُوا بِالْيَتِيمَةِ طَمَعًا فِي مَالِهَا أَوْ يُزَوِّجُهَا مِنِ ابْنٍ لَهُ لِئَلَّا يَخْرُجَ مَالُهَا مِنْ يَدِهِ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ قوله: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا [النِّسَاءِ: ١٠] وَأَنْزَلَ فِي الْآيَاتِ: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا مَا طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ [النِّسَاءِ: ٣] وَقَوْلَهُ: وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ، وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ، وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ، وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِهِ عَلِيماً [النِّسَاءِ: ١٢٧] وَقَوْلِهِ: وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ

[الْأَنْعَامِ: ١٥٢] فَعِنْدَ ذَلِكَ تَرَكَ الْقَوْمُ مُخَالَطَةَ الْيَتَامَى، وَالْمُقَارَبَةَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَالْقِيَامَ بِأُمُورِهِمْ، فَعِنْدَ ذَلِكَ اخْتَلَّتْ مَصَالِحُ الْيَتَامَى وَسَاءَتْ مَعِيشَتُهُمْ، فَثَقُلَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ، وَبَقَوْا مُتَحَيِّرِينَ إِنْ خَالَطُوهُمْ وَتَوَلَّوْا أَمْرَ أَمْوَالِهِمْ، اسْتَعَدُّوا لِلْوَعِيدِ الشَّدِيدِ، وَإِنْ تَرَكُوا وَأَعْرَضُوا عَنْهُمْ، اخْتَلَّتْ مَعِيشَةُ اليتامى، فتحير القوم عند ذلك.

ثم هاهنا يُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ سَأَلُوا الرَّسُولَ عَنْ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ، يحتمل أَنَّ السُّؤَالَ كَانَ فِي قَلْبِهِمْ، وَأَنَّهُمْ/ تَمَنَّوْا أَنْ يُبَيِّنَ اللَّهُ لَهُمْ كَيْفِيَّةَ الْحَالِ فِي هَذَا الْبَابِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ،

وَيُرْوَى أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ تِلْكَ الْآيَاتُ اعْتَزَلُوا أَمْوَالَ الْيَتَامَى، وَاجْتَنَبُوا مُخَالَطَتَهُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى كَانَ يُوضَعُ لِلْيَتِيمِ طَعَامٌ فَيَفْضُلُ مِنْهُ شَيْءٌ فَيَتْرُكُونَهُ وَلَا يَأْكُلُونَهُ حَتَّى يَفْسَدَ، وَكَانَ صَاحِبُ الْيَتِيمِ يُفْرِدُ لَهُ مَنْزِلًا وَطَعَامًا وَشَرَابًا فَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَى ضَعَفَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ عَبْدُ الله بن رواحة: يا رسول الله مالكنا مَنَازِلُ تَسْكُنُهَا الْأَيْتَامُ وَلَا كُلُّنَا يَجِدُ طَعَامًا وَشَرَابًا يُفْرِدُهُمَا لِلْيَتِيمِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ فِيهِ وُجُوهٌ أَحَدُهَا: قَالَ الْقَاضِي: هَذَا الْكَلَامُ يَجْمَعُ النَّظَرَ فِي صَلَاحِ مَصَالِحِ الْيَتِيمِ بِالتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ وَغَيْرِهِمَا، لِكَيْ يَنْشَأَ عَلَى عِلْمٍ وَأَدَبٍ وَفَضْلٍ لِأَنَّ هَذَا الصُّنْعَ أَعْظَمُ تَأْثِيرًا فِيهِ مِنْ إِصْلَاحِ حَالِهِ بِالتِّجَارَةِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ أَيْضًا إِصْلَاحُ مَالِهِ كَيْ لَا تَأْكُلَهُ النَّفَقَةُ مِنْ جِهَةِ التِّجَارَةِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ أَيْضًا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ [النِّسَاءِ: ٢] وَمَعْنَى قَوْلِهِ:

خَيْرٌ يَتَنَاوَلُ حَالَ الْمُتَكَفِّلِ، أَيْ هَذَا الْعَمَلُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُقَصِّرًا فِي حَقِّ الْيَتِيمِ، وَيَتَنَاوَلُ حَالَ اليتيم