للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَضَاءُ الْحَقُّ، فَلَا يَكُونُ بَيْنَ الْمُلَازَمَةِ وَقَضَاءِ الْحَقِّ زَمَانٌ لَا يُوجَدُ فِيهِ الْمُلَازَمَةُ وَلَا قَضَاءُ الْحَقِّ، فَيَكُونُ فِي قَوْلِهِ لَأَلْزَمَنَّكَ أَوْ تَقْضِينِي، كَمَا حَكَى فِي قَوْلِ الْقَائِلِ، لَأَلْزَمَنَّكَ إِلَى أَنْ تَقْضِيَنِي، لِامْتِدَادِ زَمَانِ الْمُلَازَمَةِ إِلَى الْقَضَاءِ، وَهَذَا مَا يُضْعِفُ قَوْلَ الْقَائِلِ الدَّاعِي هُوَ عُمَرُ وَالْقَوْمُ فَارِسُ وَالرُّومُ لِأَنَّ الْفَرِيقَيْنِ يُقِرَّانِ بِالْجِزْيَةِ، فَالْقِتَالُ مَعَهُمْ لَا يَمْتَدُّ إِلَى الْإِسْلَامِ لِجَوَازِ أَنْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ فِيهِ فَائِدَةٌ لِأَنَّ التَّوَلِّيَ إِذَا كَانَ بِعُذْرٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ [النُّورِ: ٦١] لَا يَكُونُ لِلْمُتَوَلِّي عَذَابٌ أَلِيمٌ، فَقَالَ: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ يَعْنِي إِنْ كَانَ تَوَلِّيكُمْ بِنَاءً عَلَى الظَّنِّ الْفَاسِدِ وَالِاعْتِقَادِ الْبَاطِلِ كَمَا كَانَ حَيْثُ قُلْتُمْ بِأَلْسِنَتِكُمْ لَا بِقُلُوبِكُمْ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا [الفتح: ١١] فالله يعذبكم عذابا أليما.

[[سورة الفتح (٤٨) : آية ١٧]]

لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً (١٧)

بَيَّنَ مَنْ يَجُوزُ لَهُ التَّخَلُّفُ وَتَرْكُ الْجِهَادِ وَمَا بِسَبَبِهِ يَجُوزُ تَرْكُ الْجِهَادِ وَهُوَ مَا يَمْنَعُ مِنَ الْكَرِّ وَالْفَرِّ وَبَيَّنَ ذَلِكَ بِبَيَانِ ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ الْأَوَّلُ: الْأَعْمى فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْإِقْدَامُ عَلَى الْعَدُوِّ وَالطَّلَبِ وَلَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ وَالْهَرَبُ، وَالْأَعْرَجُ كَذَلِكَ وَالْمَرِيضُ كَذَلِكَ، وَفِي مَعْنَى الْأَعْرَجِ الْأَقْطَعُ/ وَالْمُقْعَدُ، بَلْ ذَلِكَ أَوْلَى بِأَنْ يُعْذَرَ، وَمَنْ بِهِ عَرَجٌ لَا يَمْنَعُهُ مِنَ الْكَرِّ وَالْفَرِّ لَا يُعْذَرُ، وَكَذَلِكَ الْمَرَضُ الْقَلِيلُ الَّذِي لَا يَمْنَعُ مِنَ الْكَرِّ وَالْفَرِّ كَالطُّحَالِ وَالسُّعَالِ إِذْ بِهِ يَضْعُفُ وَبَعْضُ أَوْجَاعِ الْمَفَاصِلِ لَا يَكُونُ عُذْرًا وَفِيهِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: أَنَّ هَذِهِ أَعْذَارٌ تَكُونُ فِي نَفْسِ الْمُجَاهِدِ وَلَنَا أَعْذَارٌ خَارِجَةٌ كَالْفَقْرِ الَّذِي لَا يَتَمَكَّنُ صَاحِبُهُ مِنِ اسْتِصْحَابِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ وَالِاشْتِغَالِ بِمَنْ لَوْلَاهُ لَضَاعَ كَطِفْلٍ أَوْ مَرِيضٍ، وَالْأَعْذَارُ تُعْلَمُ مِنَ الْفِقْهِ وَنَحْنُ نَبْحَثُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّفْسِيرِ فِي بَيَانِ مَسَائِلَ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: ذِكْرُ الْأَعْذَارِ الَّتِي فِي السَّفَرِ، لِأَنَّ غَيْرَهَا مُمْكِنُ الْإِزَالَةِ بِخِلَافِ الْعَرَجِ وَالْعَمَى.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اقْتُصِرَ مِنْهَا عَلَى الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ، لِأَنَّ الْعُذْرَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِإِخْلَالٍ فِي عُضْوٍ أَوْ بِاخْتِلَالٍ فِي الْقُوَّةِ، وَالَّذِي بِسَبَبِ إِخْلَالِ الْعُضْوِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِسَبَبِ اخْتِلَالٍ فِي الْعُضْوِ الَّذِي بِهِ الْوُصُولُ إِلَى الْعَدُوِّ وَالِانْتِقَالُ فِي مَوَاضِعِ الْقِتَالِ، أَوْ فِي الْعُضْوِ الَّذِي تَتِمُّ بِهِ فائدة الحصول في المعركة وَالْوُصُولِ، وَالْأَوَّلُ: هُوَ الرِّجْلُ، وَالثَّانِي: هُوَ الْعَيْنُ، لِأَنَّ بِالرِّجْلِ يَحْصُلُ الِانْتِقَالُ، وَبِالْعَيْنِ يَحْصُلُ الِانْتِفَاعُ فِي الطَّلَبِ وَالْهَرَبِ. وَأَمَّا الْأُذُنُ وَالْأَنْفُ وَاللِّسَانُ وَغَيْرُهَا مِنَ الْأَعْضَاءِ، فَلَا مَدْخَلَ لَهَا فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَمْرَيْنِ، بَقِيَتِ الْيَدُ، فَإِنَّ الْمَقْطُوعَ الْيَدَيْنِ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ، وَهُوَ عُذْرٌ وَاضِحٌ وَلَمْ يَذْكُرْهُ، نَقُولُ: لِأَنَّ فَائِدَةَ الرِّجْلِ وَهِيَ الِانْتِقَالُ تَبْطُلُ بِالْخَلَلِ فِي إِحْدَاهُمَا، وَفَائِدَةُ الْيَدِ وَهِيَ الضِّرَابُ وَالْبَطْشُ لَا تَبْطُلُ إِلَّا بِبُطْلَانِ الْيَدَيْنِ جَمِيعًا، وَمَقْطُوعُ الْيَدَيْنِ لَا يُوجَدُ إِلَّا نَادِرًا، وَلَعَلَّ فِي جَمَاعَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مَقْطُوعَ الْيَدَيْنِ فَلَمْ يَذْكُرْهُ، أَوْ لِأَنَّ الْمَقْطُوعَ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْجِهَادِ، فَإِنَّهُ يُنْظَرُ وَلَوْلَاهُ لَاسْتَقَلَّ بِهِ مُقَاتِلٌ فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَاتِلَ، وَهُوَ غَيْرُ مَعْذُورٍ فِي التَّخَلُّفِ، لِأَنَّ الْمُجَاهِدِينَ يَنْتَفِعُونَ بِهِ بِخِلَافِ الْأَعْمَى، فَإِنْ قِيلَ كَمَا أَنَّ مَقْطُوعَ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ لَا تَبْطُلُ مَنْفَعَةُ بَطْشِهِ كَذَلِكَ الْأَعْوَرُ لَا تَبْطُلُ مَنْفَعَةُ رُؤْيَتِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْأَعْمَى، وَمَا ذَكَرَ الْأَشَلَّ وَأَقْطَعَ الْيَدَيْنِ، قُلْنَا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ مَقْطُوعَ الْيَدَيْنِ نَادِرُ الْوُجُودِ والآفة النازلة

<<  <  ج: ص:  >  >>