عَلَيْهِمُ الْمُعْجِزَةُ ظَهَرَ فِي وُجُوهِهِمُ الْمُنْكَرُ وَالْمُرَادُ دَلَالَةُ الْغَيْظِ وَالْغَضَبِ، قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» الْمُنْكَرُ الْفَظِيعُ مِنَ التَّهَجُّمِ وَالْفُجُورِ وَالنُّشُوزِ وَالْإِنْكَارِ، كَالْمُكْرَمِ بِمَعْنَى الْإِكْرَامِ/ وَقُرِئَ تُعْرَفُ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَلِلْمُفَسِّرِينَ فِي الْمُنْكَرِ عِبَارَاتٌ: أَحَدُهَا: قَالَ الْكَلْبِيُّ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمُ الْكَرَاهِيَةَ لِلْقُرْآنِ ثَانِيهَا: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا: التَّجَبُّرَ وَالتَّرَفُّعَ وَثَالِثُهَا: قَالَ مُقَاتِلٌ أَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ مِنَ اللَّه تَعَالَى.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: يَكادُونَ يَسْطُونَ فَقَالَ الْخَلِيلُ وَالْفَرَّاءُ وَالزَّجَّاجُ: السَّطْوُ شِدَّةُ الْبَطْشِ وَالْوُثُوبِ، وَالْمَعْنَى يَهُمُّونَ بِالْبَطْشِ وَالْوُثُوبِ تَعْظِيمًا لِإِنْكَارِ مَا خُوطِبُوا بِهِ فَحَكَى تَعَالَى عَظِيمَ تَمَرُّدِهِمْ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ أَمَرَ رَسُولَهُ بِأَنْ يُقَابِلَهُمْ بِالْوَعِيدِ فَقَالَ: قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» قَوْلُهُ: مِنْ ذلِكُمُ أَيْ مِنْ غَيْظِكُمْ عَلَى النَّاسِ وَسَطْوِكُمْ عَلَيْهِمْ أَوْ مِمَّا أَصَابَكُمْ مِنَ الْكَرَاهَةِ وَالضَّجَرِ بِسَبَبِ مَا تُلِيَ عَلَيْكُمْ، فَقَوْلُهُ: مِنْ ذلِكُمُ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: الْمُرَادُ أَنَّ الَّذِي يَنَالُكُمْ مِنَ النَّارِ الَّتِي تَكَادُونَ تَقْتَحِمُونَهَا بِسُوءِ فِعَالِكُمْ أَعْظَمُ مِمَّا يَنَالُكُمْ عِنْدَ تِلَاوَةِ هَذِهِ الْآيَاتِ مِنَ الْغَضَبِ وَمِنْ هَذَا الْغَمِّ وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ مَا تَهُمُّونَ بِهِ فِيمَنْ يُحَاجُّكُمْ فَإِنَّ أَكْبَرَ مَا يُمْكِنُكُمْ فِيهِ الْإِهْلَاكُ ثُمَّ بَعْدَهُ مَصِيرُهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ وَأَنْتُمْ تَصِيرُونَ إِلَى النَّارِ الدَّائِمَةِ الَّتِي لَا فَرَجَ لَكُمْ عَنْهَا، وَأَمَّا النَّارُ فَقَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» قُرِئَ النَّارُ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ كَأَنَّ قَائِلًا يَقُولُ مَا شَرٌّ مِنْ ذَلِكَ؟ فَقِيلَ النَّارُ أَيْ هُوَ النَّارُ. وَبِالنَّصْبِ عَلَى الِاخْتِصَاصِ وَبِالْجَرِّ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ شَرٍّ. ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ وَعَدَهَا الَّذِينَ كَفَرُوا إِذَا مَاتُوا عَلَى كُفْرِهِمْ وَهُوَ بِئْسَ الْمَصِيرُ، قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» وَعَدَهَا اللَّهُ اسْتِئْنَافُ كَلَامٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ النَّارُ مبتدأ ووعدها خبرا.
[سورة الحج (٢٢) : الآيات ٧٣ الى ٧٤]
يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (٧٣) مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٧٤)
اعْلَمْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا بَيَّنَ مِنْ قَبْلُ أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّه مالا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ وَلَا عِلْمَ، ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى إِبْطَالِ قَوْلِهِمْ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: ضُرِبَ مَثَلٌ فَفِيهِ سُؤَالَاتٌ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: الَّذِي جَاءَ بِهِ لَيْسَ بِمَثَلٍ فَكَيْفَ سَمَّاهُ مَثَلًا؟ وَالْجَوَابُ: لَمَّا كَانَ الْمَثَلُ فِي الْأَكْثَرِ نُكْتَةً عَجِيبَةً غَرِيبَةً جَازَ أَنْ يُسَمَّى كُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ مَثَلًا.
السُّؤَالُ الثَّانِي: قَوْلُهُ: ضُرِبَ يُفِيدُ فِيمَا مَضَى واللَّه تَعَالَى هُوَ الْمُتَكَلِّمُ بِهَذَا الْكَلَامِ ابْتِدَاءً؟ الْجَوَابُ: إِذَا كَانَ مَا يُورِدُ مِنَ الْوَصْفِ مَعْلُومًا مِنْ قَبْلُ جَازَ ذَلِكَ فِيهِ، وَيَكُونُ ذِكْرُهُ بِمَنْزِلَةِ إِعَادَةِ أَمْرٍ قَدْ تَقَدَّمَ.
أَمَّا قَوْلُهُ: فَاسْتَمِعُوا لَهُ أَيْ تَدَبَّرُوهُ حَقَّ تَدَبُّرِهِ لِأَنَّ نَفْسَ السَّمَاعِ لَا يَنْفَعُ، وَإِنَّمَا يَنْفَعُ التَّدَبُّرُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الذُّبَابَ لَمَّا كَانَ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ احْتَجَّ اللَّه تَعَالَى بِهِ عَلَى إِبْطَالِ قَوْلِهِمْ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ قُرِئَ يَدْعُونَ بِالْيَاءِ وَالتَّاءِ وَيُدْعَوْنَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ وَلَنْ أَصْلٌ فِي نَفْيِ الْمُسْتَقْبَلِ إِلَّا أَنَّهُ يَنْفِيهِ نَفْيًا مُؤَكَّدًا فَكَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ: إِنَّ هَذِهِ الْأَصْنَامَ وَإِنِ اجْتَمَعَتْ لَنْ تَقْدِرَ عَلَى خَلْقِ ذُبَابَةٍ عَلَى ضَعْفِهَا، فَكَيْفَ يَلِيقُ بِالْعَاقِلِ جَعْلُهَا مَعْبُودًا، فَقَوْلُهُ: وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ نُصِبَ عَلَى الْحَالِ كَأَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute