للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِلَّا عَنِ الْقُرْآنِ، فَوَجَدْتُ اللَّه تَعَالَى يَقُولُ: وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمَّا دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ مَنْ يَكْفُرُ بِهِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ، دَلَّتْ عَلَى أَنَّ مَنْ لَا يَكْفُرُ بِهِ لَمْ تَكُنِ النَّارُ مَوْعِدَهُ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَفِيهِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْ صِحَّةِ هَذَا الدِّينِ، وَمِنْ كَوْنِ الْقُرْآنِ نَازِلًا مِنْ عِنْدِ اللَّه تَعَالَى، فَكَانَ مُتَعَلِّقًا بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ [هود: ١٣] الثَّانِي: فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْ أَنَّ موعد الكافر النار أو قرئ مُرْيَةٍ بِضَمِّ الْمِيمِ.

ثُمَّ قَالَ: وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ وَالتَّقْدِيرُ: لَمَّا ظَهَرَ الْحَقُّ ظُهُورًا فِي الْغَايَةِ، فَكُنْ أَنْتَ مُتَابِعًا لَهُ وَلَا تُبَالِ بِالْجُهَّالِ سَوَاءٌ آمَنُوا أَوْ لَمْ يُؤْمِنُوا، وَالْأَقْرَبُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ لَا يُؤْمِنُونَ بما تقدم ذكره من وصف القرآن.

[سورة هود (١١) : الآيات ١٨ الى ١٩]

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (١٨) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (١٩)

[قَوْلُهُ تَعَالَى وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً] اعْلَمْ أَنَّ الْكُفَّارَ كَانَتْ لَهُمْ عَادَاتٌ كَثِيرَةٌ وَطُرُقٌ مُخْتَلِفَةٌ، فَمِنْهَا شِدَّةُ حِرْصِهِمْ عَلَى الدُّنْيَا وَرَغْبَتُهُمْ فِي تَحْصِيلِهَا، وَقَدْ أَبْطَلَ اللَّه هَذِهِ الطَّرِيقَةَ بِقَوْلِهِ: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها [هود: ١٥] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، وَمِنْهَا أَنَّهُمْ كَانُوا يُنْكِرُونَ نُبُوَّةَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَقْدَحُونَ في معجزاته، وقد أبطل اللَّه تعالى بِقَوْلِهِ: أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ [هود: ١٧] وَمِنْهَا أَنَّهُمْ كَانُوا يَزْعُمُونَ فِي الْأَصْنَامِ أَنَّهَا شُفَعَاؤُهُمْ عِنْدَ اللَّه، وَقَدْ أَبْطَلَ اللَّه تَعَالَى ذَلِكَ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ افْتِرَاءٌ عَلَى اللَّه تَعَالَى، فَلَمَّا بَيَّنَ وَعِيدَ الْمُفْتَرِينَ عَلَى اللَّه، فَقَدْ دَخَلَ فِيهِ هَذَا الْكَلَامُ.

وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلُهُ: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنَّمَا يُورَدُ فِي مَعْرِضِ الْمُبَالَغَةِ. وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الِافْتِرَاءَ عَلَى اللَّه تَعَالَى أَعْظَمُ أَنْوَاعِ الظُّلْمِ.

ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ وَعِيدَ هَؤُلَاءِ بِقَوْلِهِ: أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ [إلى آخر الآية] وَمَا وَصَفَهُمْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ مُخْتَصُّونَ بِذَلِكَ الْعَرْضِ، لِأَنَّ الْعَرْضَ عَامٌّ فِي كُلِّ الْعِبَادِ كَمَا قال: عُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا

[الْكَهْفِ: ٤٨] وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ أَنَّهُمْ يُعْرَضُونَ فَيُفْتَضَحُونَ بِأَنْ يَقُولَ الْأَشْهَادُ عِنْدَ عَرْضِهِمْ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ فَحَصَلَ لَهُمْ مِنَ الْخِزْيِ وَالنَّكَالِ مَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ، وَفِيهِ سُؤَالَاتٌ:

السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: إِذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ اللَّه تَعَالَى فِي مَكَانٍ، فَكَيْفَ قَالَ: يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَالْجَوَابُ:

أَنَّهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَى الْأَمَاكِنِ الْمُعَدَّةِ لِلْحِسَابِ وَالسُّؤَالِ، وَيَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَرْضًا عَلَى مَنْ شَاءَ اللَّه مِنَ الْخَلْقِ بِأَمْرِ اللَّه مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْمُؤْمِنِينَ.

السُّؤَالُ الثَّانِي: مَنِ الْأَشْهَادُ الَّذِينَ أُضِيفَ إِلَيْهِمْ هَذَا الْقَوْلُ؟

الْجَوَابُ قَالَ مُجَاهِدٌ: هُمُ الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ كَانُوا يَحْفَظُونَ أَعْمَالَهُمْ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا. وَقَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ:

الْأَشْهادُ الناس كما يقال على رؤوس الأشهاد، يعني على رؤوس النَّاسِ. وَقَالَ الْآخَرُونَ: هُمُ الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>