قُلْنَا: فِيهِ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: أَنَّهُمْ عَايَنُوهَا وَغَيْرُهُمْ أُخْبِرُوا عَنْهَا، وَلَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ. وَثَانِيهَا: لَعَلَّهُ يُثْبِتُ سَائِرَ الْمُعْجِزَاتِ، إِلَّا أَنَّ الْقَوْمَ الْتَمَسُوا منه هذه المعجزات نَفْسَهَا عَلَى سَبِيلِ الِاقْتِرَاحِ، فَأَظْهَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ، فَلِهَذَا الْمَعْنَى حَسُنَ هَذَا التَّخْصِيصُ.
فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَائِدَةُ فِي تَخْصِيصِ تِلْكَ النَّاقَةِ بِأَنَّهَا نَاقَةُ اللَّهِ؟
قُلْنَا: فِيهِ وُجُوهٌ: قِيلَ أَضَافَهَا إِلَى اللَّهِ تَشْرِيفًا وَتَخْصِيصًا كَقَوْلِهِ: بَيْتُ اللَّهِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ خَلَقَهَا بِلَا وَاسِطَةٍ، وَقِيلَ: لِأَنَّهَا لَا مَالِكَ لَهَا غَيْرُ اللَّهِ. وَقِيلَ: لِأَنَّهَا حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى الْقَوْمِ.
ثُمَّ قَالَ: فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ أَيِ الْأَرْضُ أَرْضُ اللَّهِ، وَالنَّاقَةُ نَاقَةُ اللَّهِ، فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ رَبِّهَا، فَلَيْسَتِ الْأَرْضُ لَكُمْ وَلَا مَا فِيهَا مِنَ النَّبَاتِ مِنْ إِنْبَاتِكُمْ، وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ وَلَا تَضْرِبُوهَا وَلَا تَطْرُدُوهَا وَلَا تَقْرَبُوا مِنْهَا شَيْئًا مِنْ أَنْوَاعِ الْأَذَى
عَنِ النبي صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «يَا عَلِيُّ أَشْقَى الْأَوَّلِينَ عَاقِرُ نَاقَةِ صَالِحٍ وَأَشْقَى الْآخِرِينَ قَاتِلُكَ» .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ قِيلَ إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَهْلَكَ عادا عمر ثَمُودُ بِلَادَهَا، وَخَلَفُوهُمْ فِي الْأَرْضِ وَكَثُرُوا وَعُمِّرُوا أَعْمَارًا طِوَالًا.
ثُمَّ قَالَ: وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ أَنْزَلَكُمْ، وَالْمُبَوَّأُ: الْمَنْزِلُ مِنَ الْأَرْضِ، أَيْ فِي أَرْضِ الْحِجْرِ بَيْنَ الْحِجَازِ وَالشَّامِ.
ثُمَّ قَالَ: تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً اى تبوءون القصور من سهولة الأرض، فان القصود إِنَّمَا تُبْنَى مِنَ الطِّينِ وَاللَّبِنِ وَالْآجُرِّ، وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ إِنَّمَا تُتَّخَذُ مِنْ سُهُولَةِ الْأَرْضِ وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً يُرِيدُ تَنْحِتُونَ بُيُوتًا مِنَ الْجِبَالِ تَسْقُفُونَهَا.
فَإِنْ قَالُوا: عَلَامَ انْتَصَبَ بُيُوتًا؟
قُلْنَا: عَلَى الْحَالِ كَمَا يُقَالُ: خَطَّ هَذَا الثَّوْبَ قَمِيصًا وَأَبَّرَ هَذِهِ الْقَصَبَةَ قَلَمًا، وَهِيَ مِنَ الحال المقدرة، لان الجل لَا يَكُونُ بَيْتًا فِي حَالِ النَّحْتِ، وَلَا الثَّوْبَ وَالْقَصَبَةَ قَمِيصًا، وَقَلَمًا فِي حَالِ الْخِيَاطَةِ وَالْبَرْيِ. وَقِيلَ: كَانُوا يَسْكُنُونَ السُّهُولَ فِي الصَّيْفِ والجبال في الشتاء، وهذا يلد عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا مُتَنَعِّمِينَ مُتَرَفِّهِينَ.
ثُمَّ قَالَ: فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ يَعْنِي قَدْ ذَكَرْتُ لَكُمْ بَعْضَ أَقْسَامِ مَا آتَاكُمُ اللَّهُ مِنَ النِّعَمِ، وَذِكْرُ الْكُلِّ طَوِيلٌ فَاذْكُرُوا أَنْتُمْ بِعُقُولِكُمْ مَا فِيهَا وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ قِيلَ الْمُرَادُ مِنْهُ: النَّهْيُ عَنْ عَقْرِ النَّاقَةِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَهُوَ الْمَنْعُ عَنْ كل انواع الفساد.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٧٥ الى ٧٩]
قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (٧٥) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٧٦) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقالُوا يَا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧٧) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (٧٨) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (٧٩)