للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسألة الرابعة: قريء عَلَّامُ الْغُيُوبِ بِالنَّصْبِ. قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» وَالتَّقْدِيرُ أَنَّ الْكَلَامَ قَدْ تَمَّ بِقَوْلِهِ إِنَّكَ أَنْتَ أَيْ أَنْتَ الْمَوْصُوفُ بِأَوْصَافِكَ الْمَعْرُوفَةِ، مِنَ الْعِلْمِ وَغَيْرِهِ. ثُمَّ نَصَبَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ عَلَى الِاخْتِصَاصِ، أو على النداء، أو وصفا لا سم إِنَّ.

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى جَوَازِ إِطْلَاقِ لَفْظِ الْعَلَّامِ عَلَيْهِ، كَمَا جَازَ إِطْلَاقُ لَفْظِ الْخَلَّاقِ عَلَيْهِ. أَمَّا الْعَلَّامَةُ فَإِنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِطْلَاقُهَا فِي حَقِّهِ وَلَعَلَّ السَّبَبَ مَا فِيهِ مِنْ لَفْظِ التَّأْنِيثِ.

[[سورة المائدة (٥) : آية ١١٠]]

إِذْ قالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (١١٠)

قَوْلُهُ تَعَالَى: إِذْ قالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى لِلرُّسُلِ مَاذَا أُجِبْتُمْ [المائدة: ١٠٩] تَوْبِيخُ مَنْ تَمَرَّدَ مِنْ أُمَمِهِمْ وَأَشَدُّ الْأُمَمِ افْتِقَارًا إِلَى التَّوْبِيخِ وَالْمَلَامَةِ النَّصَارَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ أَتْبَاعُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَنَّ طَعْنَ سَائِرِ الْأُمَمِ كَانَ مَقْصُورًا عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَطَعْنَ هَؤُلَاءِ الْمَلَاعِينِ تَعَدَّى إِلَى جَلَالِ اللَّه وَكِبْرِيَائِهِ حَيْثُ وَصَفُوهُ بِمَا لَا يَلِيقُ بِعَاقِلٍ أَنْ يَصِفَ الْإِلَهَ بِهِ، وَهُوَ اتِّخَاذُ الزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ فَلَا جَرَمَ ذَكَرَ اللَّه تَعَالَى أَنَّهُ يُعَدِّدُ أَنْوَاعَ نِعَمِهِ عَلَى عِيسَى بِحَضْرَةِ الرُّسُلِ وَاحِدَةً فَوَاحِدَةً وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ تَوْبِيخُ النَّصَارَى وَتَقْرِيعُهُمْ عَلَى سُوءِ مَقَالَتِهِمْ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ تِلْكَ النعم المعدودة عَلَى عِيسَى تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَبْدٌ وَلَيْسَ بِإِلَهٍ. وَالْفَائِدَةُ فِي هَذِهِ الْحِكَايَةِ تَنْبِيهُ النَّصَارَى الَّذِينَ كَانُوا فِي وَقْتِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى قُبْحِ مَقَالَتِهِمْ وَرَكَاكَةِ مَذْهَبِهِمْ وَاعْتِقَادِهِمْ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: مَوْضِعُ إِذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَفْعًا بِالِابْتِدَاءِ عَلَى مَعْنَى ذَاكَ إِذْ قَالَ اللَّه، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى اذْكُرْ إِذْ قَالَ اللَّه.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: خَرَجَ قَوْلُهُ إِذْ قالَ اللَّهُ عَلَى لَفْظِ الْمَاضِي دُونَ الْمُسْتَقْبَلِ وَفِيهِ وُجُوهٌ:

الْأَوَّلُ: الدَّلَالَةُ عَلَى قُرْبِ الْقِيَامَةِ حَتَّى كَأَنَّهَا قَدْ قَامَتْ وَوَقَعَتْ وَكُلُّ آتٍ قَرِيبٌ وَيُقَالُ: الْجَيْشُ قَدْ أَتَى، إِذَا قَرُبَ إِتْيَانُهُمْ. قَالَ اللَّه تَعَالَى: أَتى أَمْرُ اللَّهِ [النَّحْلِ: ١] الثَّانِي: أَنَّهُ وَرَدَ عَلَى حِكَايَةِ الْحَالِ وَنَظِيرُهُ قَوْلُ الرَّجُلِ لِصَاحِبِهِ كَأَنَّكَ بِنَا وَقَدْ دَخَلْنَا بَلْدَةَ كَذَا فَصَنَعْنَا فِيهَا كَذَا إِذْ صَاحَ صَائِحٌ فَتَرَكْتَنِي وَأَجَبْتَهُ. وَنَظِيرُهُ مِنَ الْقُرْآنِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ [سَبَأٍ: ٥١] وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ [الْأَنْفَالِ: ٥٠] وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ [سَبَأٍ: ٣١] وَالْوَجْهُ فِي كُلِّ هَذِهِ الْآيَاتِ مَا ذَكَرْنَاهُ، مِنْ أَنَّهُ خَرَجَ عَلَى/ سبيل الحكاية عن الحال.

المسألة الرابعة: يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ (عِيسَى) فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ لِأَنَّهُ مُنَادَى مُفْرَدٌ وُصِفَ بِمُضَافٍ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ لِأَنَّهُ فِي نِيَّةِ الْإِضَافَةِ ثُمَّ جُعِلَ الِابْنُ تَوْكِيدًا وَكُلُّ مَا كَانَ مِثْلَ هَذَا جَازَ

<<  <  ج: ص:  >  >>